جسور انترناشيونال تعقد ندوتها الدولية الثالثة بجامعة جنيف لمناقشة “أهمية حوار الأديان لتعزيز الأمن والسلام العالمي”

جنيف-الوحدة:
على ضوء انعقاد الدورة الخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أقامت منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية في الثاني والعشرين من يونيو الماضي، ندوتها الدولية الثالثة في جامعة جنيف، التي تعد إحدى أبرز المؤسسات التعليمية ومركزا رئيسياً لنشر الوعي وتعزيز الثقافة المجتمعية في سويسرا، تحت عنوان “أهمية الحوار بين الأديان لضمان السلام والأمن العالميين”، وذلك بالشراكة مع “تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا ” KIOS “.

وتأتي الندوة ضمن استمرار أنشطة وفعاليات منظمة جسور انترناشيونال التي تستهدف من خلالها نشر ثقافة الحوار والتسامح بالمجتمعات الإنسانية، والتزاما منها بتعميق الحوار بين الأديان سبيلاً لتعزيز الأمن والسلام العالمي، وهو النهج الذي دأبت عليها المنظمة منذ تأسيسها، وحرصت على تكريس اسهاماتها الدولية التي تنبع من القيم والمبادئ والرؤى التي التزمت بها المنظمة وترجمتها في كافة أنشطتها ومبادراتها وإسهاماتها الدولية.

وشهدت الندوة مشاركة العديد من الخبراء الدوليين والمختصين في قضايا التسامح والسلام والحوار بين الأديان، ورؤساء وممثلي أبرز المراكز الأوروبية المعنية بنشر وتعزيز ثقافة الحوار والتكامل المجتمع والإنساني.

وتأتي الندوة تأكيدا على قيم الشراكة والتكاملية التي تنطلق منها منظمة جسور الدولية، بشراكتها مع “تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا”، والتي تعد إحدى أبرز المنظمات الدولية العاملة في تسيير قيم ومبادئ الحوار بين الأديان، والأبرز في خدمة القضايا الفكرية والإنسانية المعنية بتحقيق التكامل المجتمعي بين كافة الأديان.

ادار الندوة الباحث بومدين بن يحيى، حيث أكد على أهمية الندوة في خلق وتعزيز الأجواء الإيجابية المعية بالحوار بين الأديان، وتعميق الحراك الفكري والثقافي للمجتمعات الإنسانية، والتأكيد على الاستمرار في اتباع هذا النهج لدى كافات قطاعات وفئات المجتمع الأوروبي الذي يتصف بالتنوع والتعدد.
ودعا بن يحيى الجميع إلى الاستمرار في اتباع نهج متسامح مع ممثلي الأديان ومنتسبي المنهاج والمدارس الفكرية والدينية كافة، مؤكدا على أهمية الندوة التي عقدت بشراكة مع منظمة جسور انترناشيونال التي أسهمت منذ تأسيسها في طرح القضايا الفكرية والإنسانية، وتكريس الاهتمام العالمي بها بغية خلق بؤر ومجتمعات إنسانية وحضارية متكاملة تعمل على إحياء واستدامة العلاقات الإنسانية ضمن إطار تنسيقي يستهدف العمل على استدامة الأمن والسلام العالمي الذي تستهدفه الأمم المتحدة في خطتها المعنية بتحقيق التنمية المستدامة 2030.

من جانبه، أكد عبدالجليل ظاهري، من تنسيقية المنظمات الإسلامية في سويسرا، على الجهد المكرس للحفاظ على الحوار المسموع بين الأديان من خلال تنظيم العديد من الفعاليات المماثلة.
وقال إنه بالرغم من الصعوبات التي تواجهها النوايا الحسنة والأكاديميين والفاعلين الاجتماعيين والدينيين على حد سواء في مسالة الحوار، إلا أن صوت السلام والأمن سينتصر في نهاية المطاف على التسييس المنحرف والتطرف الضار.
وفي كلمته، أكد رئيس منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية، الإعلامي محمد الحمادي، على أهمية الدور الذي تقوم به المنظمة على الصعيد الإقليمي والدولي، لاسيما الدور الذي تنشط فيه المنظمة من مركزها الرئيسي في جنيف، والمبادرات التي تعمل على تفعيلها في العديد من الدول الأوروبية، والتي تنطلق فيه من اسمها المعبر عن دورها وجهودها المجتمعية والمؤسساتية في بناء الجسور وتقوية العلاقة مع الآخر.

وأكد “الحمادي” على أهمية المناقشات والحوارات التي تعمل منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية على إطلاقها بشكل مستمر، والتي تأتي ندوة “أهمية الحوار بين الأديان لضمان السلام والأمن العالميين” كواحدة من هذه الأنشطة والفعالية المحورية في إحداث التغيير الإيجابي لدى المجتمعات الإنسانية، مشيدا على وجه التحديد بالدور الذي تقوم به المنظمات غير الحكومية والمراكز الاهلية والمجتمعية في التقارب المجتمعي والإنساني، وفي تعزيز سبل وآليات الحوار بين الأديان وقبول الاخر.

وأشار رئيس منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية إلى أن قضايا الإرهاب والتطرف ذات البعد الديني والعقائدي هي واحدة من أبرز وأهم وأعقد المشكلات التي يواجهها العالم، وتمثل تحديداً رئيسياً في تحقيق التنمية الإنسانية بالعالم، كما تقف وراء العديد من الصراعات والنزاعات المحلية والدولية، مؤكدا على أهمية الاستفادة من الفرص التي توفرها كل تلك التحديات والمخاطر على العالم، على النحو الذي يمكن من خلالها الانطلاق في مناهج فكرية وحوارية تسهم في تعزيز الأمن والسلام الدولي، وتقضي على العديد من بؤر التوتر والصراع في العالم، مشيراً إلى أن هذه الندوة تعتبر جزءا من العمل المطلوب إنجازه لتحقيق هذه الغايات والأهداف الإنسانية السامية، داعياً الجميع الى تحمل مسئولياته في هذا المجال، وضرورة البدء في العمل الذي يكمل بعضه بعضاً ويعزز بدوره من جهود الآخرين وعملهم.

وختم “الحمادي” كلمته بالتطرق إلى الدور الفاعل والرئيسي الذي يسهم فيه الإعلام في تحقيق الأهداف السامية للحوار بين الأديان، ودوره في محاربة الأفكار الشاذة والمتطرفة، وتعزيز قيم الحوار والسلام والتسامح وقبول الآخر، وهو الدور الذي تقع مسئوليته على الإعلام والإعلاميين كونهم قادة للرأي والفكر، والفاعلين الرئيسيين في صناعة الرأي العام العالمي وتحييد التوجهات الفكرية والمجتمعية.

بعدها بدأت أولى جلسات الندوة باستعراض أوراق العمل الخاصة بمجموعة من الخبراء والمختصين المشاركين في أعمال الندوة، حيث تطرق المشاركون إلى مناقشة قضايا الحوار بين الأديان من زوايا متعددة ومحاور ووسائل مختلفة تهدف إلى خلق فرصة حقيقية لحوار إنساني ومجتمعي بين الأديان المختلفة، وكيف أن تلك الزوايا عند تحررها من السياسات والتوجهات الفكرية والأيديولوجية، وإدارتها بالمنطق يمكنها أن تسهم في تحقيق حوار حقيقي فاعل وناجع بين الأديان.

وفي كلمته أكد مدير مركز الأخلاقيات الدينية بجامعة جنيف، فرانسوا ديرمونج ، على ضرورة العمل على تأطير الحوار ما بين الديانات بجملة من الآليات والأطر العملية التي من شأنها أن تعطي للحوار بعدا عمليا وأخلاقيا، وربطها بمنهجية لجنة الخبراء التي تم تأسيسها ما بين الفاتيكان والأزهر الشريف والتي نجحت في توفير دليل منهجي وعملي للحوار بين الأديان، مسلطا الضوء على ما اعتبره الدعائم الرئيسية لإطلاق حوار ناجح بين الأديان، وهي الغيرية، والتناسق، وحسن النية، واحترام أراء الأخرى.

ومن جانبه، قال رئيس مؤسسة الإسلام بفرنسا، غالب بن الشيخ، إنه من الضروري وضع إطار منهجي وقانوني للحوار بين جميع الطوائف والأديان، وأن يشترك الجميع في وضع وتنظيم وتأطير جملة من المناهج والآليات المعنية بالحوار المجتمع والإنساني، والتي تعمل بشكل فاعل على إرساء تصور لعملية الحوار الديني، وفق عملية شاملة وتنسيقية تضمن تأطير كل العوامل المعنية بإنجاح هذا الحوار، وتنشط في مرافقته بما يوفر له الحماية والتحصين من الاختلالات التي قد تعمل على تهديده إفساده.

واعتبر الخبير الدولي ووزير التعليم السابق في تونس، الدكتور حاتم بن سالم، أن ما يواجهه العالم اليوم من تحديات ومخاطر تهدد الحياة والتنمية في العالم، والتي يمكن اعتبارها مرحلة حرجة تمر بها البشرية في وقتها الحالي قد تسهم في تعزيز المعاناة البشرية لسكان الكوكب، حيث طريق الدمار الذاتي، أو السعي بشكل جدي وحقيقي لتحقيق السلام المزدهر.

وأوضح أن هناك مسئولية أخلاقية على قادة الرأي والفكر بالعالم، تتمثل في نشر ثقافة السلام والتسامح وقبول الآخر، والتعقل وإدراك مدى حساسية الوضع الحالي لتعزيز التسامح في عالم يزخر بأديان مختلفة، ولكنه يتطلع إلى اختزال الحضارة الإنسانية في حضارة واحدة.

وفي كلمته، أكد رئيس منظمة المؤتمر الأوروبي للحاخامات، الحاخام موشي لفين، على أساسيات إفشاء الحوار الديني، خاصة فيما يتعلق بالحوار الإسلامي اليهودي، مشددا على أن قيام إسرائيل تمثل عائقا لقيام هذا الحوار، ومؤكدا على ضرورة عمل المؤسسات الدينية وتحملها لمسئولياتها بعيدا عن ازدواجية الخطاب.

وقال “ليفين” إن الأفكار الهشة والمشوهة لا يمكنها الصمود والاستمرار، وهي التي تمتنع عن الحوار والتواصل مع الآخر لضعفها وهشاشتها وعدم قدرتها على الصمود أمام مقتضيات الحوار وتبادل الأفكار والآراء والثقافات مع مختلف المكونات المجتمعية والإنسانية.

وانتقد القس كريستيان ديلورم من أبرشية ليون الكاثوليكية، الأفراد الذين يخوضون الحروب ويشعلون النزاعات باسم الدين، مؤكدا على أن الدين يجب أن يكون مصدرا للسلام وليس العكس.
وشدد “ديلورم” على أهمية نشوب ثورة في القلوب والأرواح لإطلاق حوار سلمى بين الأديان، بما يعزز من تبادل الثقافات المجتمعية ويكرس المشتركات الإنسانية بين مكونات المجتمع الإنساني بالعالم كافة.

وأكد “ديلورم” على أهمية العمل على وضع الأسس السليمة والصحيحة لبدأ حوارات إنسانية ومجتمعية مشتركة تعمل على تقريب وتجسير العلاقات بين مختلف الأديان والمعتقدات، وأن يكون هذا الحوار نابعاً من إيمان مطلق بأهميته في نشر ثقافة السلام وتعزيزها بالعالم، وأن يستمد هذا الحوار قوته ومحوريته من إيمان راسخ بقيم الشراكة والتعاون، داعياً إلى تأسيس خلية أزمة تعمل على البحث والتفاعل مع الإشكاليات التي يمكن أن تطرح كتحديات أو معوقات تعترض طريق الحوار بين الأديان الذي يتم العمل عليه بشكل حقيقي بين الأفراد والمفكرين والقادة المجتمعين.

وفي كلمتها، أكدت الباحثة في علم الاجتماع بجامعة باريس، لورنس لكويني، على ضرورة تفعيل دور المرأة كونها العنصر الأهم الأبرز في تعزيز فاعلية “الحوار منهج إنساني سائد بالمجتمع”، سواء على صعيد العائلة أو المجتمع لإنجاح وتسيير الحوار ما بين الديانات، مشددة على أن قضايا المرأة مهما كان انتماؤها الديني أو الفكري فإنها تلعب دوراً فاعلاً في الحوار الديني.

ونوه عميد مسجد الغزالي بمرسيليا، الحاج أبوبكر بن ديوب، خلال الندوة، بضرورة العمل على استغلال آلية الحوار الديني بين الديانات للتصدي للإرهاب والتوعية منه، خاصة بين الشباب، وألا يكون الحوار مقتصرا فقط على كبار السن، وأن توضح الخطط والبرامج والاستراتيجيات الكفيلة بتحصين المجتمعات الإنسانية لاسيما فئة الشباب من الولوج في التيارات الإرهابية والمتشددة، ومنعهم من تهديد الأمن والسلام العالمي انطلاقاً من الأفكار والآراء الشاذة والمتشدد.

وفي كلمته، أكد مدير جمعية الحوار الإسلامي اليهودي، الدكتور أيويمام السرغاتي، على ضرورة إزالة التوتر القائم نتيجة لأسباب سياسية والعمل على التصدي لخطاب الكراهية والحقد بين الشباب، خاصة في الأحياء الشعبية التي ينتشر فيها الفقر والتهميش ويكون فيه الشباب عرضة للتطرف، بالإضافة إلى العمل من خلال مؤسسات المجتمع المدني لتعزيز ثقافة الحوار والتكامل والشراكة المجتمعية بين كافة ممثلي الطوائف والأديان، وأن يستهدف العمل تحقيق المصالح الإنسانية لكل المجتمعات بعيداً عن أي غايات أو أجندات سياسية أو فكرية.

قال رئيس تنسيق المنظمات الإسلامية في سويسرا والمشارك في فعاليات الورشة، الدكتور فرهاد افشار، أن الأديان، عكس السياسة، لكونها أقرب إلى وجدان وقلوب الأفراد، وهو الأمر الذي يجب وضعه في الاعتبار بين رجال الدين لإحياء حديث يمثل أساس السلام العالمي، ويعتمد الحوار منهجا لرسم وتنظيم العلاقة بين الاديان.

وفي ختام الندوة، حرص رئيس منظمة جسور انترناشيونال للإعلام والتنمية، عضو الاتحاد الدولي للصحفيين في بروكسيل، محمد الحمادي، على توجيه الشكر لكل المشاركين والمتحدثين بالندوة، والذين أسهموا في تأطير قضايا الحوار بين الأديان من الجوانب كافة، بالإضافة إلى تسليطهم الضوء على أهميتها في بناء وتعزيز السلام العالمي، وإبراز أهم الجهود المعنية بتنظيم وتطوير الحوار المجتمعي والإنساني بين مكونات المجتمعات الإنسانية كافة.

وأكد “الحمادي” على أن وجود تفاهم وحوار حقيقي من شأنه أن يجعل عالمنا واحة من الأمان والطمأنينة والرفاهية الإنسانية.