“Raison d’être” هو تعبير أصله فرنسي ويستخدم في اللغة الإنجليزية بلفظه الفرنسي أيضاً، وترجمته في اللغة العربية ” سبب الوجود”. ويعنى العقائد أو المبادئ التي يعتنقها شخص أو أمة أو مجتمع كحافز لوجوده أو كهدف أسمى يسعى لتحقيقه. وقد استخدم أحد المُشاهِدين الفرنسيين – وهو من المهتمين في معرفة الفكر الإماراتي والخليجي عموما – هذه العبارة للتعبير عن رأيه في الفيلم الوثائقي الإماراتي “1971”. وهو الفيلم الذي انتجته وكالة أنباء الإمارات “وام” في نهاية عام 2021. بمعنى أن المُشاهِد قد استوعب الرسالة التي يوجهها الفيلم للعالم حول الرؤية القيادية الأهم لدولة الإمارات العربية المتحدة والتي تقوم على مقولة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”: ” فمهْما أقمنا من منشآت ومدارس ومستشفيات وجسور وغير ذلك فإنّ كل هذا يبقى كياناً مادياً لا روح فيه، لأنّ روح كل هذا هو الإنسان القادر بفكره وجُهده وإيمانه على تحقيق التقدم المنشود “.
ويشهد مثل هذا الرأي على إتقان صنّاع الفيلم صياغة النص الأصلي المصاحب للفيلم، ومن ثم إتقان ترجمته إلى اللغات الثمانية وهي الإنجليزية والفرنسية والصينية والروسية والبرتغالية والإسبانية والتركية والأوكرانية في نسخه المدبلجة. واستخدام مفهوم ” سبب الوجود” كما يصرّح المُشاهِد هو دليل على نجاح وصول الرسالة بالعمق المطلوب ومفادها أن هناك ما هو أبلغ من الإنجازات المادية والعمرانية الظاهرة في رؤى القيادة الإماراتية التي وجّهت ولا زالت توجه خطوات الدولة الحثيثة نحو الازدهار والرخاء ألا وهو الإنسان، فالازدهار الحضاري بحسبها لا يتحقق إلا بالإنسان وللإنسان. ورسالة الفيلم تؤكد وعي الإنسان الإماراتي بمتطلبات المرحلة القادمة وهي مرحلة ما بعد الخمسين عام التأسيسية، فهي مرحلة لا تتطلب فقط تعزيز النجاح والإنجازات بل وأيضاً تقديم التفسيرات والمسوغات الفكرية لرؤاها القيادية.
والتوجه الإنساني متجذر في رؤى قيادة الإمارات منذ البدايات وهو توجه يتجاوب وصدى قضايا عالمية عديدة وجدليات علمية متجذرة في الفكر الإنساني عموماً. فمثال الأول قضايا حديثة العهد تتعلق بتداعيات وباء كورونا على مدى العامين المنصرمين والتي أثبتت أهمية الرؤى القيادية ذات التوجه الإنساني على أصعدة كثيرة بدءاً من قضايا محلية حول كيفية التعامل مع الأزمات التي حدثت بسبب الوباء، إلى أخرى عالمية تتعلق بالمساواة في توفير وتوزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا عبر العالم. ومثال الجدليات العلمية هي التوجهات النظرية والفكرية الحديثة التي تنادي بتعزيز البعد الإنساني في دراسة وفهم العلاقات الاجتماعية والمؤسسية وحتى السياسية على مستوى الأمم لا سيّما في بؤر النزاع والحروب.