حكومات سورية متتالية .. وآمال السوريين منذ اندلاع الحرب

تقرير إخباري:بقلم إبراهيم العيسى-صحفي سوري

هي مرحلة عصيبة تمر بها البلاد , حكومات متتالية وعقوبات اقتصادية دولية ووباء عالمي , ثم فساد اقتحم مؤسسات الدولة السورية , هذه هي المرحلة التي يعيشها المواطن السوري في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين .
فمنذ بدء الإحتجاجات في سوريا في 15 مارس لعام 2011 ,وبعد خروج العديد من السوريين إلى الشوارع وسط المدن والارياف , البعض منهم طالبوا بمحاربة الفساد إلا أن آخرون خرجوا في مسيرات مؤيدة للدولة السورية , مادفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى إلقاء خطاب فوري أمام مجلس الشعب واتخاذ العديد من التدابير للتخفيف من حدة الإحتجاجات , تليها قرارات ومراسيم من بينها إلغاء قانون الطوارئ منذ عام 1963 , ووعد شعبه بإجراء خطوات سريعة في مكافحة الفساد والتطوير الإداري والإعلامي تمهيدا إلى الإنتقال إلى مرحلة جديدة .

الرئيس السوري بشار الأسد أيضا كان قد وافق في تلك المرحلة على استقالة حكومة محمد ناجي عطري تحت ضغط الإحتجاجات وبعد أن تبين تورط حكومة عطري في قضايا فساد واتخاذ العديد من القرارات الإقتصادية الخاطئة , وأصدر الرئيس السوري بشار الأسد قرارا بتكليف عادل سفر بتشكيل الحكومة الجديدة وتسيير أعمال الحكومة من قبل ناجي عطري إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة , من مهامها البدء بتنفيذ برنامج الإصلاحات التي إعلنتها السلطات السورية في ذلك الوقت .
وفي يوم 23 حزيران عام 2012 حل الرئيس السوري بشار الأسد حكومة عادل سفر نتيجة الإنتخابات البرلمانية في حين تم تعيين الدكتور رياض حجاب ريئسا للحكومة الجديدة وتكليفه بتشكيل الحكومة , إلا أن حكومة رياض حجاب لم تستغرق إلا حوالي الشهر ونصف الشهر بعد أن أعلنت الحكومة الأردنية تأكيدها حول انشقاق رئيس الوزراء السوري حجاب من منصب رئيس الحكومة .
من جانب آخر أكد محللون سياسيون أن انشقاق رياض حجاب لا يجب تحميله أكثر مما يحتمل واعتبروا أن ذلك خيانة عظمى وأنه كان يحمل أجندات خارجية , وضمن المرحلة الجديدة للحكومة السورية الثالثة على التوالي منذ بدء الحرب السورية , كان قد عين الرئيس السوري بشار الأسد الدكتور وائل الحلقي خلفا لرياض حجاب بعد إقالته وإعلان إنشقاقه .

فبعد استلام الحلقي منصبه كرئيس للحكومة عام 2012 حينها ظهرت عائلة الحلقي وأبناء عشيرته برفضهم ووصفهم للحلقي أنه عميل للسلطات السورية وأنه رأسمالي باع أهله من أجل السلطة والمال ,
وفي 28 آب / أغسطس 2014 صدر المرسوم بتكليف الدكتور وائل الحلقي بتشكيل حكومة جديدة وذلك نتيجة الإنتخابات الرئاسية عام 2014 في حين لم يستغرق حكم الحلقي مايقارب السنتين وسرعان ما هاجمه العديد من السوريين وأعضاء مجلس الشعب ووصفوا حكومته بالفاسدة , من جانبه شن أحد أعضاء مجلس الشعب مجيب عبدالرحمن الدندل هجوما على حكومة الحلقي وقال أن رئيس الحكومة عجز عن تحقيق أمور كثيرة منها المواد الأساسية التي يحتاجه المواطن ومحاربة الفساد داخل المؤسسات الحكومية , حيث وصف الدندل حكومة وائل الحلقي أنها تحارب الفساد من خلال الموظفين الصغار وفصل العديد منهم بعدة قرارات متناسيا كبار المسؤولين , في حين ان الشعب السوري فقد ثقته تجاه حكومة الحلقي في محاربة الفساد وعجز الحكومة في إيجاد حلول مسعفة في ظل الحصار الذي تشهده البلاد .

فالمرحلة التي استلم بها الحلقي هي من أصعب المراحل التي تشهدها سوريا , حيث كان عليه إجراء حلول طارئة في بلد تجري على أرضها حرب متنوعة الأشكال من حصار اقتصادي وعقوبات دولية منها منع الإستيراد والتصدير وإيقاف حركة الطيران ومنع التعامل مع البنوك السورية , مادفع إلى هروب رؤوس الأموال السورية إلى خارج البلاد هذا من الجانب الإقتصادي , أما من الجانب العسكري فقد أصبحت أجزاء كبيرة من المدن السورية خارج سيطرة الدولة السورية ,في هذه المرحلة اعتمدت الدولة السورية على البنوك الروسية والآسيوية بهدف تجاوز العقوبات المفروضة عليها خاصة فيما يتعلق بتصدير النفط واستيراد المواد النفطية المكررة التي لا تنتجها سوريا , بعد أن أصبحت المنطقة الشرقية الغنية بالنفط والمساحات الزراعية الواسعة جبهة قاسية لجميع الفصائل المعارضة وباتت مسرح لجميع العمليات العسكرية بين الجيش السوري وفصائل معارضة مسلحة من جهة ومنطقة صراع نفوذ بين تنظيم داعش الإرهابي والفصائل الأخرى .

أما بالنسبة للمحاصيل الزراعية في المنطقة الشرقية حيث خزان القمح لسوريا فقد أصبحت بيد الأكراد الإنفصاليين حيث شكل الأكراد هناك إدارة ذاتية كردية مما دفع الأكراد إلى شن صراع مع السلطات السورية لمنعهم من الحصول على القمح أو بيعه للحكومة السورية بأسعار مرتفعة , أما في المنطقة الجنوبية حيث درعا والتي كانت نقطة بدء الإحتجاجات في سوريا والتى تسمى البوابة الجنوبية للبلاد , فكانت المحاصيل الزراعية تباع في الأردن أيضا , هنا في هذه المرحلة فقدت السلطات السورية جميع الاراضي الزراعية وباتت تحت تصرف الفصائل المسلحة , حيث سارعت حكومة الحلقي إلى محاولة لإيجاد حلول بديلة والبحث عن أراضي قابلة للزراعة لرفع الجانب الإقتصادي ودعم الليرة السورية .

أيضا من العوامل التي فقدتها السلطات السورية وهي الأهم اقتصاديا حيث حلب العاصمة الإقتصادية لسوريا والشريان الرئيسي في صناعة المنتجات السورية وتصديرها للخارج , إلا أن سيطرة الفصائل المسلحة المدعومة من تركيا وعلى رأسها جبهة النصرة أغلقت جميع الأبواب أمام الحكومة السورية , حيث وجه رئيس غرفة الصناعة في سوريا فارس شهابي التهم ضد رئيس حكومة تركية واتهامه بسرقة ألف معمل في حلب عام 2013, حيث قدمت السلطات السورية دعوة قضائية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان , وقد أشارت أن تركيا اليوم تكمل مشروعها الإجرامي بغزو الأراضي السورية واستهداف المدنيين والتجارة بأعضائهم في تركيا .
في تلك المرحلة أقال الرئيس السوري بشار الأسد رئيس حكومته الدكتور وائل الحلقي عام 2016 بعد تدهور الوضع الإقتصادي في سوريا وانتشار الفساد داخل الدوائر الحكومية وعين خلفا له عماد خميس الذي كان يشغل منصب وزير الكهربا أثناء حكومة الحلقي .

الجدير بالذكر أن عماد خميس استلم الحكومة على ريش من نعام بعد أن حاول وائل الحلقي وضع حلول تساعد في التخفيف من الحصار الإقتصادي الذي ضرب البلاد , فالظروف المعيشية التي عاشها جميع السوريين في السنوات الأولى من تسلم حكومة خميس من أصعب الظروف التي تعرض لها خلال الأزمة , وقد وجه السوريون العديد من الانتقادات وكسر جميع الخطوط الحمراء في انتقاد المسؤولين , حيث بدات الحملات والانتقادات على وسائل التواصل الإجتماعي بعد ارتفاع الأسعار وزيادة عدد ساعات تقنين الكهرباء بالإضافة إلى انتشار الفساد علنا داخل المؤسسات الحكومية , من بين الملفات كان وزير التربية السابق هزوان الوز عندما تداولت صفحات موالية للرئيس السوري بشار الأسد باختلاس مئات الملايين وانتشر الخبر على صفحات التواصل الإجتماعي في سوريا وأخذت القضية أبعادها , لكن المفاجأة هي رد رئيس الوزراء عماد الخميس قائلا إن الحكومة عازمة على محاسبة أسماء ستفاجئ السوريين , الأمر الذي اعتبره البعض موضوعا طبيعيا في ظل حجم الفساد الموجود في البلاد .

من ناحية أخرى نشر محللون اقتصاديون عبر صفحاتهم أن خزينة الدولة كانت مهترئة لا ينقصها سوى الفساد وفي جلسة لمجلس الشعب علق وزير المالية السوري مامون حمدان أمام النواب على عبارة “الشعب السوري جائع ” موضحا في الوقت ذاته في عبارة سخرية لا أحد جائع في سوريا , مما دفع السوريون إلى الرد عليه عبر وسائل التواصل الإجتماعي والتي أصبحت الوسيلة الأساسية لنقل وجع المواطن السوري بعد غياب الإعلام السوري في رصد قضايا الفساد وكان قد نشر أحد الرواد قصيدة باسم شاعر جوعان فضح فيها إهمال المسؤولين ضمن حكومة خميس للشعب السوري في حين أن أرصدتهم البنكية تنمو بشكل مخيف بالرغم من العقوبات الإقتصادية وانخفاض الليرة السورية , ومن بين الصور التي نشرها رواد التواصل الإجتماعي ، صورة تم التقاطها لعماد خميس وهو يرتدي ساعة من نوع روليكس الثمينة .

لم يتوقع السوريون أيضا أن القدر حل عليهم كضربة على الرأس في آن واحد ألا وهو انتشار فيروس كورونا كوفيد 19 في المرحلة الصعبة التي يعيشونها منها نقص المعدات والأجهزة الطبية وغلاء الأسعار للوقاية من هذا المرض , حيث أصدرت الحكومة السورية قرارا بإغلاق جميع المحال التجارية وحظر التجول في الشوارع مما زاد الطين بلة على المواطن السوري , في حين كثر تجار البشر الذين استغلوا هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد فسارعوا إلى احتكار المواد وتخزينها في ظل غياب الرقابة من قبل الحكومة السورية وانشغال المسؤلين في جمع الأموال فقط مما دفع السوريون إلى الضغط على الحكومة والمطالبة بإلغاء الحظر نتيجة الظروف المأساوية مما اضطر الحكومة إلى إلغاء قانون الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها.
لم يسلم السوريون من كورونا إلا أن قانون قيصر الأمريكي زاد من إساءة الوضع قبيل تنفيذه الأمر الذي دفع رجال الأعمال إلى تهريب رؤوس أموالهم في الوقت الذي بدأت به السلطات السورية بتوجيهات من الرئيس السوري بشار الأسد في الحجز على أموال بعض كبار مسؤولي الدولة ومنعهم من السفر خارج البلاد وتحويلهم للقضاء .

وقد نشر محللين أن حكومة خميس لن تفلح في تحسين الوضع المعيشي بعد أن فقد السوريون خلال الأيام الماضية ثلث قدرتهم الشرائية بسبب تدهور العملة السورية مع اقتراب تنفيذ قانون قيصر , حيث اشتعلت نيران الأسعار وزاد سخط السوريين ونفد صبرهم ما أدى إلى خروج بعض المدن في احتجاجات إلى الشوارع البعض منهم مطالبين بإسقاط الحكومة والبعض الآخر خرجوا في مسيرات مؤيدة للرئيس السوري ومناشدته بمحاربة الفساد والقضاء على الفاسدين في حكومته , مما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى إصدار قرار بعزل عماد خميس عن منصبه كرئيس حكومة , حيث لم تذكر أسباب الإقالة غير أن محللين نشروا عبر صفحاتهم أن السبب ربما يعود إلى الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد مع تدهور قيمة الليرة السورية إلى مستويات منخفضة , لكن السبب الأهم فربما يعود في ذلك إلى الفشل الذريع في الحد من تفاقم الفساد في مؤسسات الدولة على مختلف المستويات ، وظهور فئة من تجار الحرب الذين يتاجرون بدماء السوريين على اختلاف أطياف المجتمع السوري .
في حين يرى محللون أن إقالة خميس وتكليف حسين عرنوس رئيسا للحكومة خلفا لخميس لن يفلح في تحسين الوضع المعيشي, حيث تبقى آمال السوريون معلقة حتى انتهاء الحرب وزوالها.