بداية أود أن أذكر القراء الأفاضل بأهمية العواطف ،فالعاطفة تعطي التفكير بطانته الوجدانية التي تسبغ عليه الدلالة والمعنى ، والعاطفة هي من تدعم النشاط العقلي بالدافعية النفسية سواء كانت حماسة وفرحاً في مواقف السعادة والنشوة أو ألماً ومرارة في حالات الخسارة فالعاطفة هي الترومستات الذي ينظم النشاط الذهني إقداماً وإحجاماً ، لذلك من الصعب أن تقوم الحياة على حسابات عقلانية ومنهجيات إجرائية مع تجاهل تام لدور العاطفة ولكن ،،،،،
ترك العاطفة متفلتة والانخراط في تجارب انفعالية متطرفة قد يخرج حياتك عن السيطرة ويقود تجربتك الوجودية إلى المجهول، لذلك أنا هنا لأدعوك أن تعيش عواطفك من خلال وعيك وتبصرك لتعيش تجربة انفعالية تنسجم مع مفهومك عن الحياة وعن ذاتك وعن قيمك الموجهة لسلوكك…
وفي مجال تنظيم العواطف سيكون حديثي معكم اليوم حيث سأتناول مفهوما من المفاهيم النفسية المهمة و يمثل الوعي به على مستوى الفهم ثم إنزاله على مستوى الممارسة والتطبيق في الحياة العاطفية والاجتماعية أساساً للصحة النفسية والنماء وجواز سفر للنجاح في الحياة ومفتاحاً لفرصها
يسمى ذلك المفهوم “الكفاءة العاطفية”.
عندما نتحدث عن الكفاءة العاطفية فإن ما نقصده هو الفاعلية الذاتية في إظهار العواطف أثناء التبادل الاجتماعي، وتقويم تلك العواطف وتوجيهها بطريقة تخدم أهدافنا في الحياة وفق المنظومة الأخلاقية والقيمية التي نتبناها، ببساطة أن تستطيع التحكم في ردود فعلك الانفعالية، أن تعرف متى تغضب ومتى يكن عليك أن تكظم غيظك، أن تميز المواقف التي عليك أن تتعاطف فيها أو تلك التي عليك أن تتشدد فيها والمواقف الأخرى التي يخدمك فيها التجاهل لإفساح المجال للتبريد الانفعالي، صاحب الكفاءة قادر على ممارسة الاسترخاء والتخفيف من الاحتقان النفسي حتى لا يقع فريسة لفيض من الانفعالات المؤذية.
كما تتضمن الكفاءة العاطفية الاستفادة من المواقف والخبرات الانفعالية السابقة وتكيفيها في إدارة الخبرات الحالية والقادمة وصولاً للمزيد من التحكم في الانفعالات وتكيفيها لمتطلبات الموقف.
وتشتمل الكفاءة العاطفية أيضاً على مكون إدراكي يتمثل قي الوعي بحالاتنا العاطفية المختلفة والتي قد تكون لاواعية أحياناً وقد تكون متناقضة تجاه الموقف أحيانا أخرى، وأقرب مثال على ذلك شعور الوالدين بخوف شديد تجاه أحد الأبناء وميل كبير للخضوع لرغباته كرد فعل لميل خفي يحمل طبيعة نابذة لذلك الطفل كما قد يحدث مع أمهات وآباء الأطفال ذوي الإعاقات الجسدية والعقلية.
من يمتلك تلك الكفاءة العاطفية لديه القدرة على الوعي بمشاعر الآخرين وانفعالاتهم الصريحة منها والخفية التي تظهر من خلال تعابير الوجه ولغة العيون وتوتر العضلات والتي تتعرض للإخفاء والتمويه لأنها تتعارض مع المشاعر الصريحة فتبقى جوانية حفاظاً على اللباقة الاجتماعية، لكن صاحب الكفاءة يستطيع التقاط تلك الإشارات العاطفية وأخذها في الحسبان أثناء استجابته الانفعالية ، كما يمتلك أصحاب الكفاءة الوعي التام بتأثير تصرفاتهم وانفعالاتهم على الآخر وعلى مشاعره الصريحة والضمنية ويلاحظون أثر تعابيرهم الانفعالية المتكررة على سلوك الآخر حتى لا يلحقوا به الاذى أو يعرضوه للانسحاب أو الانكسار الذي يؤذى توازنه النفسي أو يدفعونه بالمقابل للثورة والتمرد.
وتتوج الكفاءة مهارة التفهم والتعاطف مع الآخرين ومشاركتهم الوجدانية واحترام مستويات وعيهم وتجاربهم الفردية ليس من باب المجاملة أو المسايرة وإنما انطلاقاً من تعاطف حقيقي يقوم على تقبل الآخر حتى لو اختلفنا معه في رأي أو تصرف فنكون هنا بصدد ممارسة الأصالة العاطفية التي تقودنا إلى الربح المتبادل ، بامتلاكك الكفاءة العاطفية ستمثل لكل من حولك امانهم عند الخوف وقوتهم عند الضعف ، وستصبح الوجهة الآمنة لكل من يعرفك و تصبح بالنسبة لهم كنقطة ضوء تنير عتمة الايام .