علاقاتٌ رديئة

بقلم / د. ولاء قاسم

تعتبر العلاقات الإنسانية من أعقد الظواهر التي يمكن أن يواجهها الفرد. فهي تتضمن تفاعلات مختلفة تؤثر في المشاعر والسلوكيات، وتتراوح بين الحب والدعم، إلى الصراع والتلاعب النفسي. في هذا السياق، يظهر اختلاف الأنماط في العلاقات كموضوع يستحق الدراسة العميقة، حيث تتجلى فيه تأثيرات متعددة على الصحة النفسية والعاطفية للأفراد.

إن التلاعب النفسي والاعتداءات في العلاقات يمكن أن يتخذ أشكالًا متنوعة تتداخل لتشكل تجربة مؤلمة للفرد ولا تؤثر فقط على الضحايا، بل تمتد آثارها إلى الأسرة والمجتمع ككل ، والشخصية المتلاعبة والمعتدية تنتشر بكثرة في العلاقات وتمارس ذات الأنماط السلوكية وكأنها شخصية تم استنساخها في شتى بقاع الارض .

أحد أبرز أشكال التلاعب النفسي هو الشخص المزدري، الذي يتقن فن الانتقاد ويستغل نقاط ضعفك ليحرجك أمام الآخرين. يركز على كل ما يُدينك، مما يجعلك تشعر كأنك صفر على الشمال ، وكأنك شكل متدني من أشكال الحياة أو صورة مشوهة لها . يُعزى كل خلاف في العلاقة إليك، وقد يستخدم تفسيرات منطقية تُحرف الحقائق، مما يجعلك تشك في نفسك. وينمو بداخلك صوت نقدي يلاحقك، فهو بارع في الإقناع وتبرير تصرفاته، ليبقيك طوع بنانه . كلما حاولت مقاومته، زادت حدة إيذائه، مستخرجاً كل ما يجعلك تشعر بالخزي ليغمرك به .

يُعتبر الإسقاط أحد أشكال الاعتداء النفسي في العلاقات، خاصة الزوجية. كثيراً ما يتهم الأزواج بعضهم بالتقصير أو حتى بالخيانة، مما يدفعك للانغلاق على نفسك ولوم الذات بحثاً عن خطأ لم تقترفه. لكن في الحقيقة، من يوجه تلك الاتهامات غالباً ما يشعر بالذنب لأنه يقوم بنفس الأفعال التي يتهم بها الآخر، أو (تحدثه نفسه القيام بها ). و هذا هو جوهر الإسقاط، حيث تكشف إسقاطات الآخرين الكثير عن دواخلهم.

من أشكال الاعتداء النفسي إطلاق الأحكام المُعممة، حيث يُتهم الوالد بأنه غير جيد لأن طفله أساء التصرف لمرة واحدة ، أو يُوصف شخص بأنه سليط اللسان لمجرد الدفاع عن نفسه
والرد على الإساءة. هذه التعميمات تحط من قيمة الذات وتجافي المنطق، إذ يهاجم المعتدي تقديرك لذاتك بدلاً من معالجة المشكلة الحقيقية. لذا، عندما تواجه مثل هذه الأحكام، تذكّر أن هدفها هو التلاعب بك ودفعك لتغيير موقفك. اخلع عنها رداء الحقيقة، فهي مضخمة و مُبالغ فيها ولا تعكس قيمتك الشخصية.

يُعتبر بناء الثقة ثم سحبها نمطًا شائعاً من التلاعب النفسي في العلاقات. يجعل الشخص المتلاعب منك أفضل شخص في في الوجود على الأقل في عينيه، ويُسيطر عليك ليكون المصدر الوحيد لتقديرك لذاتك. وعندما تخالفه، يسحب هذا التقدير في أي لحظة. رغم أن هذا الأسلوب خداعي، فإن الخطأ يكمن في أنك علقت تقديرك لذاتك به، وبحثت عن قيمتك في المكان الخطأ.

ويبقى السؤال الأهم هو لماذا يقع الناس فريسة لتلك الاعتداءات ولماذا يتم التلاعب بهم ؟؟!

يُعتبر الإذعان والخضوع، المتجذر في طفولة الشخص، من أبرز أسباب استجابته للاعتداء. فقد تعود الطفل على الاستسلام أمام نبرة صوت عالية أو تعبير وجه مُهدد، مما يجعله يستمر في هذا السلوك بشكل لاواعي عند مواجهة مواقف مشابهة.

كما أن الأشخاص ذوي التقدير المتدني للذات هم الأكثر عرضة للتلاعب، إذ يحملون شعوراً عميقاً بالضعف أو النقص. يعود هذا إلى طفولتهم، حيث تم تسليط الضوء على عيوبهم ونواقصهم مع تجاهل نقاط قوتهم.

علاوة على ذلك، فإن نشأة الأطفال في كنف والدين غير ناضجين عاطفياً تُزرع فيهم اعتقادات خاطئة حول مسؤولياتهم تجاه مشاعر الآخرين واستجاباتهم . فعندما تلقي الأم باللوم على طفلها بعبارات مثل “أفسدت حياتي”، يشعر الطفل بأنه مسؤول عن الحالة الانفعالية للآخرين، مما يدفعه لتحمل الإساءة والتلاعب، معتقداً أنه السبب فيها.

أخيراً، من الضروري أن ندرك أن قبول التلاعب يعني تبني توجهات الآخرين على حساب استقلاليتك العقلية وسلامتك النفسية . تذكر دائماً أنك إنسان راشد بكيان مستقل، فلا تترك مجالًا لاستغلالك أو استنزافك.
واعلم أن الاعتداء اللفظي والتلاعب النفسي لا يقل ضرراً عن الاعتداء الجسدي؛ فالإضرار بالسلامة العقلية تتجاوز إثاره كدمة حول عينيك .