مرئيات

الشاعر سعيد عتيق الحميري.. لوحة مشرقه «في الأغراض الاجتماعية»

بقلم / أنور بن حمدان الزعابي  ــ  كاتب وشاعر إماراتي

للشعر الشعبي امتداد شاسع في الحياة الأدبية والثقافية في الإمارات ونقرأ منه الكثير من القصائد الشعرية المفعمة بالحب والتغزل في الجمال ولذلك أصبح الغزل هو المادة الأساسية للشاعر الشعبي وقلة من هؤلاء اتجهوا إلى أغراض أخرى كالاجتماعات والمديح وغيرها.

واليوم نلقي الضوء على أحد الشعراء المتميزين في مجال القصيدة الشعبية الاجتماعية وهو الشاعر سعيد عتيق الحميري عضو برنامج واحة التراث وعضو برنامج مجلس شعراء الإمارات الشمالية.

لفت الشاعر سعيد الحميري الأنظار إلى قصائده الشعرية من خلال أغراض المدح وقصائد النصح والإرشاد والذكريات القديمة البادية وماضيها العريق وعاداتها وتقاليدها وكذلك ينتقد بأسلوب مرح بعض السلبيات التي تمس العادات والتقاليد حول التفكك الأسري والاجتماعي وانعدام التواصل والزيارات الاجتماعية بين الناس نراه يتأسف على نقض عرى التراحم والتآزر التي من المفروض أن تكون قوية بين أبناء المجتمع الواحد وكذلك يعدد أسباب هذا التفكك الأسري والاجتماعي ويحذر من الانخداع في المظاهر المزيفة التي تغطي على معدن صاحبها وها هو يعددها في هذه الأبيات:

بين العرب لاول زياره

ولا شي ذاك اليوم شغلان

الكل مرتاحه افكاره

ما بينهم ما صار قطعان

ايجيه لو بعدت دياره

عليه متوله وشرقان

واليوم لو قربه وجاره

ما ينظره حتى بلعيان

وعن النصائح المرورية يوجه الشاعر سعيد الحميري هذه الأبيات مخاطباً فيها الشباب عن أضرار السرعة ومخالفة المرور فهو يكون فكرة واضحة عن مخاطر الطريق وعن تجاوز ومخالفة أنظمة وقواعد المرور التي يجب على كل سائق أن يتمسك بها:

يا شاب لا تسرع على السيد

امشي بعدال و خلك بهون

عينك على الشارع من بعيد

فسح وخل الناس يمشون

ان سقت مش الموتر بهيد

عن الاشاير طالع اللون

خذ انتباه و عندك اوكيد

اخدم وطنك ابعقل وذهون

وعن العلم والدراسة وخدمة الوطن يخاطب الشاعر الشباب منبهاً إلى فائدة العلم ورقي الإنسان به إلى آفاق الحضارات العليا كذلك يحثهم على المذاكرة والدراسة واستيعاب المنهج حتى تنتج جيلاً من الشباب المتعلم الناضج بالوعي والإدراك:

ياشاب علمك خزن معروف

لا تهمله وتكون كسلان

ذاكر وسطر بعض لحروف

في المدرسة بتكون فهمان

بتاخذ الأول وبتطوف

بالفوز متشرق وفرحان

العلم بحره ماله اوصوف

عميق يبقى فيض فهمان

من خلال هذه الأمثلة وجدنا الشاعر سعيد الحميري قد سخر موهبته لخدمة القضايا الاجتماعية في الوطن وقد أضفى لون النصح والارشاد على هذه الأغراض مضيفاً صبغة انتقادية مرحة بين أبيات كل قصيدة ويصف فيها بعض القضايا السلبية بأنها تقلل من شأن الإنسان حيث يقول:

واللي بقى من غير مصروف

أزم على ما صار ندمان

وفي دور ثاني زدت مكلوف

عام على عام خسران

وحول الرياضات الشعبية القديمة وخاصة سباق الهجن ومنافساته التي تذكر الحاضر بالماضي أبدعت موهبة الشاعر سعيد الحميري أجزل وأبدع العبارات فهو يشجع الشخص على اقتناء إحدى البكار الأصايل حتى يحقق الفوز وينال الناموس:

كأنك تبى الناموس في الريس

حط الذي يفهم المطاهن

عارف فراك الحبل والحيس

والهجن مبطي في عناهن

رجل يعرف الضمر ويحيس

وأمديم عينه من وراهن

ما يلتهي في شغلة ابليس

ولا حد غيرة كد ولاهن

وهكذا أجادت قريحة الشاعر سعيد الحميري في شتى الأغراض الاجتماعية فهو يخلد الماضي في هذه القصائد ويحفظ التراث كأغنية للحاضر، وها هو يتذكر الأوائل من أجيال هذا الوطن وأصفاً معانيهم وأساليبهم البسيطة في الحياة بأفضل وأجزل العبارات مثنياً على كرمهم وتفانيهم في خدمة الوطن حيث يذكر أعمالهم الشاقة والبسيطة ومردودها البسيط من المال بأنها أشرف وأنبل الأعمال ويشيد بجلساتهم السمرية حول الحظيرة وهو مجلس خارج المنزل يجلس فيه الرجال على شكل حلقة دائرية تدور فيها السوالف والحكايات والنوادر الفكاهية والقصائد الشعرية الغنية بالإبداع والحكم والمواعظ التي تخدم أبناء المجتمع الواحد الذي يلفه التآزر والتراحم بعاطفة الأخوة ويجمعهم احترام الصغير للكبير وعطف الكبير على الصغير وهكذاك في تواد دائم.

شوابنا لول يكدون

للبيت ويربون لعيال

من الحطب ضوه يحرقون

ملقاف ولا سمر ليبال

ولي اطرشوا بدرب يمشون

كله طريقهم وعرور مال

اهناك في الساحل يبيعون

مردودهم هين من المال

والمير من السوق يشرون

وعليه حطو البن والهال

وزاقرو من عقب مايوون

وتقهويو ذربين الفعال

إلى أن يصل الشاعر ذاكراً الزيارات الودية بين الأهل والأصحاب والتي يتم فيها وصل الرحم والتآخي في سبيل الإسلام حيث يصف هذه الزيارات بأنها تريح البال والنفس:

ان زرتهم بتخوز الحزون

شوفهم ايزيح الهم مالبال

في البادية دايم يشتون

دار عليها لون واشكال

وبيوت سنح فيه يبنون

وتياورن زينات لجبال

والناس مرتاحة يغنون

في الليل يوم العالم اذهال

وعن البدو والبادية أجاد الشاعر في طرح بعض القصائد المفعمة بالحكمة  والموعظة النصح كذلك عن الذكرى والذكريات الجميلة ،أجاد الشاعر في نسج هذه القصيدة التي تحكي حياة البدوي سابقاً مع الإبل والتي هي حياة قاسية ولكنها لذيذة وبسيطة حيث أنشد يقول:

البدوي حلوة حياته

ليعاد عند عزبة اركاب

هيه سلوك الخاطر بهاته

ومديح باله مالنشاب

ايبيع ويبلغ زكاته

ويكرم الضيفان ما طاب

أيحلب ويقمس مقاته

والناس لول فيهم أصلاب

لكن ذاك الوقت فاته

اليوم خسره ماله حساب

عليه شاجي في غلاته

ما يحسب لو بيده اتعاب

في ختام هذه المطالعة البسيطة لبعض المقتطفات من قصائد الشعار سعيد عتيق الحميري نجد أن الأسلوب العام لشاعر يخوض في جميع الأغراض الاجتماعية والقضايا المهمة وهذه بادرة طيبة وإجابية لها دور فعال في توظيف الشعر الشعبي

لخدمة القضايا الوطنية والاجتماعية والذي نعرفه عن الشاعر سعيد الحميري نموذجاً حياً ورداً على المشككين في مقدرة الشاعر الشعبي في توظيف إمكانيته الشعرية لخدمة أمته ومجتمعه.

وبدورنا نتمنى من الشاعر سعيد الحميري أن يوظف أيضاً إمكانياته هذه في مناقشة وطرح بعض القضايا التي تهم الأمة العربية مثل قضية فلسطين وقضية التمزق الذي تعيشه الأمة العربية والإسلامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى