الشاعر مصبح بن سالم بن مصبح النبخ المضيوي وذكريات الماضي القديم

بقلم أنور حمدان الزعابي ــ كاتب إماراتي

*الزمن الماضي ذکری عابقة بالأصالة والشوق والحنين في ذاكرة المسن مصبح بن سالم بن مصبح النبخ المضيوي الذي استأنس الماضي كذكريات جميلة يسردها على أبنائه ومقربية وزواره يأخذك إلى ما خلف الجدار الزمني للوقت الحاضر

ويأسرك في عالم يعبق بالتاريخ وبالادب والشعر .

* الوقت في المساء ما بعد صلاة العصر وفي منطقة الحنية التابعة لإمارة الفجيرة

والواقعة على الشارع الذي يربط إمارة رأس الخيمة بواحة الذيد والمنامة .

وامام منزله جلس الشاعر المسن مصبح بن سالم النبخ مع أحفاده وأبنائه الصغار والكبار في جلسة عائلية حافلة بالسوالف والذكريات الجميلة والنصائح والتوجيهات السديدة الحياة . ولم تقتصر الجلسة على هؤلاء فقط بل يتوافد عليها أبناء الجيران وأبناء الأهل والأعمام والأقارب. فالمسن مصبح بن سالم النبخ معروف في هذه القرية للصغير والكبير . فاقتربت اليهم مسلماً وقام الجميع يرحب بالزائر وخاصة الشيبة الشاعر مصبح » الذي رحب ترحيباً كبيراً وجلست معهم في هذه الجلسة الدافئة تحت الشمس الوادعة وكان لنا معه هذا الحوار .

الذكريات الأولى

عشنا وتربينا في منطقة الحمرانية والساعدي وأم عرج « الجبجوب » ورويس المرخ والزويكي والسويحات ومديسيسة والخريجة . وهذه قرى ومناطق معروفة في إمارة رأس الخيمة ولا زالت شاهدة على القبائل البدوية التي كانت تقطنها .

وكنت أرعى الإبل والمواشي الأخرى وكان وقتها عمري عشر سنوات حيث أنني أسرح بها في الصباح الباكر بين النجوع والتلال الرملية وأشجار الغاف وخاصة إذا كانت الأرض معشبة وأرجع بها إلى المضوى قبل الغروب بفترة قليلة ثم أذهب إلى الحظيرة وأجلس مع الرجال وأهل الرأي والشور واستمع إلى ما يتناقلونه من أخبار وأحداث سواء على مستوى البادية أو على مستوى أهل الحضر والمدن

ولا تخلو هذه المجالس من النوادر والفكاهة والسوالف الطريفة التي تكون حافلة كذلك بالشعر . وإذا كان هناك (خطار) ضيوف لدينا فاننا نقوم بخدمة الضيوف والخطار فإذا كان الوقت ليلاً فإن العشاء قائم محالة مهما كانت أعذار الضيف

وإذا كان الوقت نهاراً فإن الغداء للضيف وإكرامه واجب .

الهجن العربية الأصيلة:

الإبل مباركة من الله وهي التي ذكرها عز وجل في القرآن الكريم وفي الزمن الماضي وحتى اليوم فانني أملك العديد من الإبل ومن خيار النوق الأصايل والتي أعرف سلالتها وأصلها ومن أية بذرة هي وأذكر أن الوري (بعير) بن سويدان النعيمي من أفضل الجمال واتوارثه وأخذ من سلالته في حياة المرحوم علي بن سيف الخاطري ولا زال بذر الوري موجوداً حتى اليوم لدي أولاد علي بن سيف مثل محمد وسيف رحمهم الله وسلطان واتحدى وأقول أن البكار البكرات التي أنجبتها سلالة الوري لا تسبقها بكرة في ميادين السباق حتى اليوم. كذلك أذكر صوغان (البعير القادم) من الجزيرة، جزيرة زعاب كان من أفضل الجمال الذي أنجب وخلف سلالات أصيلة من الهجن.

العمل في الزراعة :

عملت بالزراعة وكان عمري وقتها عشرين عاماً وكانت المزرعة في وادي السيجي حيث حرثت الأرض في أيام الصيف الحارقة وأزحت الحجارة المتكدسة في الأرض وشققت القنوات المائية وقمت بزراعة النخيل تلك الشجرة المباركة العظيمة التي لا تتساقط أوراقها أبداً وبجانب هذا قمت بزراعة الخضار وبعض أشجار المواشي وكنت أحمل الماء على ظهري من قعر الوادي حتى أطرافه وأحياناً أنقله على ظهر الحمير وفوق هذا وذاك لم نشعر بالملل أو التعب ولم نكن نشكو من شيء بل كنا والحمد لله في صحة وعافية وفي خير ورزق كبير وعملت كذلك في تجارة الحطب وبيعه في المدن والأمصار وكنا نحرق الحطب أحياناً ونبيعه کسخام أي فحم أسود . حيث كان يستخدم كوقود للنار للتدفئة في الشتاء وكنت أحمل هذه الأغراض على ظهور المطايا وأعبر بها الصحراء والقفار حتى أصل إلى المدينة وأقوم ببيعها هناك . كذلك كنا نستفيد من صوف الماعز والخرفان في نسج بيوت الشعر مثل الهناح وكان بيت الشعر جميل المنظر ودافئ في الشتاء ولا يتأثر كذلك بالمطر ونستفيد من صوف الإبل في وضعه تحت المحاوي أي السرج الذي يستخدم عند ركوب المطية . كذلك أذكر أننا إذا فارقنا جيراننا فإننا نحزن على فراقهم أشد الحزن وصرنا نبكي ونصيح طول الليل على فراقهم حيث قلت شعراً مرة عندما رحلوا عنا جيراننا:

يوم شدوا واظعنوا عنا ….مشين الديرة بلياهم

الشريعة المائية في الذيد:

النبع المائي والمسمى بشريعة الذيد تشترك فيه وفي حفره ثلاث قبائل وهم الشيوخ القواسم وقبيلة الخواطر وقبيلة الطنيج . وهذا النبع كان يروي المزارع في واحة الذيد وكذلك يروي الفرقان أي المناطق البدوية السكنية ويروي محاضير الخواطر

في الصيف ويأتي هذا الماء من يتيمة البردي وهو النبع الأساسي لشريعة الذيد في جنوب الذيد وهذا المجرى المائي مغطى بقطع غليظة من الصخور الجبلية الصماء والمسمى بالصلافة ، ويعود تاريخ شريعة الذيد إلى ما يقارب الثلاثمائة عام واشترك في حفر هذا المجرى المائي حوالي مائة شخص تقريباً .

التغني بالشعر :

بدأت الشعر مستمعاً ومردداً لكبار الشعراء أمثال الشاعر الماجدي بن ظاهر وغيره من الشعراء وكان عمري خمسة عشر عاماً عندما قمت بتألیف أول قصيدة شعرية لي نالت الصدى الواسع في حضيرة أهل الحي . وأذكر هناك أنني حفظت قصيدة شعرية للشاعر بن جرش المنصوري وهو يوجهها إلى مزبنة علي بن سيف الخاطري أي دخيل لديه حيث يقول :

تكفون یا ربعی بداني ملامي

سرحت بالقاصي ورديت بعباه

وان جيت بوقران كثر سلامی

قله ترانا في ریاکم نترياه

اخطوطنا راحت جنوب وشمالي

وحتى الجبل مالشرق جتنا هواياه

بوسیف با زبون المعاني

زبون حرد الجيش يوم الملاقاة

اركابكم مالحقر بداهن وهاني

وركابنا مثل الطيور المغناه

كذلك أتذكر هذه القصيدة الغزلية والتي قلتها وعمري عشرون عاماً:

يا ونتي بين الظلوع المفجر

والخايبين اللي بداهم قصيفي

البن لاشقر والدلال المنحر

ايعدل الجيشان ويهرف هريفي

كذلك أذكر هذه القصيدة وهي:

في حشابه دست ببهامك

لو بتامر في دجی ليلك

العني وراعيه خدامك

الآبار والطوي:

الآبار كانت كثيرة ومتناثرة بين الأحياء والفرقان البدوية وكانت ترد إليها المواشي والإبل والقبائل وكانت الحياة في هذه الصحاري تعتمد اعتماداً كبيرا على الآبار . وأذكر أن الآبار المشهورة في إمارة رأس الخيمة طوي البلايلة وحفره الخواطر

وطوي الياهلي والساعدي كذلك طوي الحديثة وطوي الحمرانية وحفرها الخواطر

والمويلحة كذلك حفرها الخواطر .

ومن المعروف أن على بن سيف الخاطري حفر العديد من هذه الآبار حتى تستطيع القبائل البدوية إيجاد الماء في حالة تنقلها من مكان إلى آخر وحتى تجد أيضاً المستقر المناسب لها وتكون المواشي والحلال في خير.

الأعياد والحياة الاجتماعية:

الأعياد المعروفة لدينا ولدى المسلمين هي أعياد الإسلام مثل عيد الفطر وعيد الأضحى ولا نعرف أعياداً غيرها حيث أن هذا الزمن كثرت فيه الأعياد ولا نعرف كيف ابتدعها الناس. العيد في الماضي جميل جداً في الإحساس والتقارب الروحي والعاطفي والوجداني الذي ينعش النفوس ويريحها من عناء الأيام والليالي المرة . وأود أن أخبرك بأنني كنت اشتاق وأفرح كثيراً أيام العيد حيث الزيارات العائلية والتقارب الوجداني والروحي والعاطفي الذي يلف الجميع في ثوب من الدفء والخير.

تعلقيات الصور:

1-

01

001

Exit mobile version