يُعَد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ( AI ) من أهم الوسائل المستخدمة في نظام العدالة الجنائية ؛ لأنها تضطلع بمهام تنفيذ السياسات الجنائية ، وتدابير الوقاية من الجريمة والانحراف ، ومكافحة ما يقع منها بإجراءات الاكتشاف والتحقيق وجمع الاستدلالات وتقديم الجُناة للمحكمة وتنفيذ العقوبات على المُدَانين.
ونظراً لأهمية تقنيات الذكاء الاصطناعي والاستفادة منها في العديد من المجالات الشرطية والأمنية، فإن أحد أهم هذه المجالات : التعرف على الوجه – بصمة الوجه – والذي من المهم معرفة وفهم كيفية عمله وتطبيقه.
فلذلك يجب نشر الوعي بين أفراد المجتمع ؛ ليدركوا ( الآثار القانونية ) المترتبة على هذه التكنولوجيا في مجال التحقيقات الجنائية ؛ ممّا يرفع درجة أمن المجتمع .
ولذلك ، فمن المهم فهم ما يمكن وما لا يمكن أن تضيفه بصمة الوجه ، وكيف تتقدم التكنولوجيا الرقمية في هذا المجال ، وما مدى الاستفادة من البيانات الكبيرة ( Big Data ) للبصمة البيومترية وكيف يتم حوكمتها.
تُعرف تقنية التعرف على الوجه بأنها إحدى طرق التعرف على القياسات الحيوية عبر الخصائص الفيزيائية لجسم شخص ما ؛ لأنها تميزه عن غيره من الأشخاص، وفي القياسات الحيوية توجد مطابقة بصمات الأصابع وبصمة العين وبصمة الصوت.
تعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات الكبيرة للصور المؤرشفة ومضاهاتها، والعثور على التطابقات الموجودة في قاعدة البيانات، فعندما يتم التقاط صورة للوجه، يقوم البرنامج بتحليلها وتحديد تطابقها وتحديد أماكن التقاطها – وعلى سبيل المثال – وسط جمهرة من الناس أو في أحد مراكز التسوق أو في الشوارع ، ستعمل الكاميرات الأمنية على تشغيل برنامج التعرف على الوجه لتحديد الوجوه استنادا إلى التغذية الراجعة.
وبمجرد أن يحدد النظام الوجوه المحتملة في صورة ما ، فإنه سوف يقوم بدراستها ومضاهاتها واحدة تلو الأخرى وبأقصى سرعة ذكية اصطناعية ، مع مراعاة إعادة توجيه أو تغيير حجمها عندما تقتضي الضرورة إجادتها.
ومثل بصمة الإصبع ، فإن بصمة الوجه هي مجموعة من الخصائص التي تحدد الوجه المعين للشخص، متضمنة المواقع النسبية لملامح الوجه مثل العينين والحاجبين وشكل الأنف وغيرها.
كما يمكن مقارنة بصمة الوجه بصورة واحدة للتحقق من هوية الشخص ، مثل دخول الموظف جهة عمله أو دخوله أي جهة أمنية أو عبر ” الدخول بالتعرف على الوجه ” كالذي يتم استخدامه في ماكينات الصراف الآلي ATM والذي يتيح الدخول إلى الخدمات المصرفية ، كما يمكن أيضاً مقارنة بصمات الوجه بخوارزميات وقواعد بيانات ملايين الصور لتحديد هوية الشخص.
ولا شك أن التقنيات المتقدمة والمتطورة تساهم في تعزيز وتنفيذ مهام نظام العدالة الجنائية بالشكل الإيجابي، وتعزيز جودة المنظومة الشرطية والأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة، ولكنها لا تخلو أيضاً من السلبيات المحتملة والتي لا بد من إيجاد سبل معالجتها وتداركها وحوكمتها.
فعندما لا يقوم نظام التعرُّف على الوجه بتحديد هوية الشخص بالشكل الصحيح أو بالشكل الدقيق ؛ فإنه من الممكن أن يتسبب في العديد من المشكلات استنتاجاً من الخطأ الإلكتروني أو الخطأ الرقمي أو بسب عدم توفر البيانات والمعلومات الناتج عن عطل ما أصاب البرنامج – وهنا تكمن مشكلة الاعتماد التام على التقنيات – وعليه يجب أن تكون الخطط البديلة جاهزة للحالات الطارئة حتى لا يتأثر سير عمل الأنظمة ونظام العدالة الجنائية.
في تطبيق القانون …
قد تكون حجية كاميرات المراقبة ضعيفة نسبيا بسبب عدم الحصول على صور واضحة لوجه المشتبه به ؛ وبالتالي ، يمكن اعتبار الشخص المشتبه به بريء ما لم تثبت إدانته ، وبالتالي يفلت من العقاب.
ورغم أن الأمر يدعو إلى بعض المخاوف على الخصوصيات حتى وإن كانت دقيقة ، حيث يتم تخزين بصمات الوجه من قبل الجهات ذات الاختصاص والتي يمكنها مراقبة أي شخص في أي مكان إلا الأماكن المحرمة طبعا، مما يزيل مفهوم إخفاء الهوية والخصوصية، وهناك أيضاً بعض المخاوف من إساءة استخدام الصور والبيانات إذا لم يتم التأكيد والتشديد على عدم تسريبها أو عدم استعمالها أو استخدامها إلا وفق الصلاحيات والموافقات التي تتطلب ذلك.
إلا أن الهدف الحقيقي من التعرف على بصمة الوجه أو البصمة البيومترية أبعد من التعريف المحصور أو المحدود، فهذه التقنيات تأخذنا أيضاً إلى عالم التنبؤ بالسلوكات المستقبلية لأي شخص، وتقدم لنا آفاقاً جديدة لمحاربة الجريمة … أبعد من التدخل في عالم الخصوصية، كما أنها تساعد في التعرف على الأشخاص الذين ينتحلون صفات رجال الأمن، والأشخاص المطلوبين والمتسللين والمخالفين.
لذلك تقدم لنا التكنولوجيا أدوات قوية ومتطورة، ولكن قد يعيب مع هذه التطورات عدم وجود تشريعات متسارعه (المرونة التشريعية) ، ولذلك مشكوراً فعل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم عندما اعتمد تجربة استخدام ” بصمة الوجه ” في الحصول على الخدمات بما يتماشى مع الأتمتة والذكاء الاصطناعي، وتوثيق الأدلة الجنائية الرقمية.
فالأدلة الجنائية الرقمية مثل غيرها من الأدلة المادية تحتاج إلى التوثيق والتأمين بالقدر الذي يكفل لها المصداقية ويُبعد عنها العيوب.
كاتب وباحث إماراتي،
عضو اتحاد كُتّاب وأدباء الإمارات