عبد الله بن دلموك الكتبي:الماضي فرحة وبهجة كبيرة تختلف عن نكهة اليوم
الحرف والصناعات اليدوية كثيرة في التراث
بقلم /أنور بن حمدان الزعابي ــ كاتب وشاعر إماراتي
الوقت هنا مساء، الشمس مائلة إلى الغروب تجرجر خيوطها الذهبية وتغيب رويداً رويداً خلف التلال الرملية الصفراء ويمتد ظل أشجار الغاف سابحا على الأرض
«خیال مارد جبار سكن جوف الصحراء » وحش خرافي لا مثيل له.
ومن علو احد التلال الشامخة بشموخ الكبرياء كانت الذكريات تتوالى بحلاوتها ومرارتها على مخيلة السيد عبدالله بن دلموك الكتبي أحد رجالات الذيد الذين عاصروا الزمن الماضي واستخلصوا منه العبر والعظات فكان لنا هذا الحوار التراثي معه ليغطي جانبا من الماضي. ذكرى خاصة عندي استرجعها الفينة والأخرى ، واتذكر الزمن الماضي واسترجع منه العبر والعظات والحوادث بأفراحها وأحزانها .
تربیت هنا في واحة الذيد ، وشاح وقرب أم غيدر ومع أن الحياة الماضية كانت شحيحة في مواردها الا أن الطبيعة بفضل الله كانت تجود بالخير مثل الأمطار الموسمية التي تنبت على أثرها الأعشاب والزهور البرية ، وكانت الحياة تتسم بالبساطة والتآلف والحب وتبادل الخير والتآزر .. وكانت الرحمة تغلف قلوب الناس وتشعرهم بالطمأنينة والتآلف والتآخي على الخير وتبادل المعروف فيما بينهم .
وتربيت على حب النوق الاصايل وكنا نقتني منها الكثير من السلالات المعروفة والمهجنة وكانت هذه النوق هي الوسيلة الوحيدة للنقل بين البراري والصحاري والقفار الواسعة ..
كذلك تعلمت فنون الرماية والتصويب وزرت العديد من المناطق والفرقان البدوية في الكثير من المناسبات مثل الافراح وغيرها ، وعشت فترة الصبا أتعلم الصيد والقنص البري وأصيد الطيور البرية وأجد المتعة في هذه الهواية الجميلة التي تكسب الفرد الصبر والجلد ومواجهة الصعاب.
*الأعياد
للأعياد بهجة وفرحة كبيرة وكانت القبائل أو الأسر تحتفل بالعيد في بساطة شديدة من ناحية المأكل والملبس وكانت تقام الأفراح بثوب يسوده الحب وتبادل الزيارات ، وكان الناس يذهبون إلى مصلى العيد في أرض خالية وكانت النساء تصلي خلف الرجال وبعد الصلاة يسلم الرجال.
على بعضهم البعض وتطلق بعض الأعيرة النارية ابتهاجاً بهذه المناسبات السعيدة .. وكانت الأيام تمر أحلى الساعات والأطفال تجدهم يبتهجون ويفرحون وهم يجمعون العيدية من آبائهم وأمهاتهم وجيرانهم .. وهذه المظاهر الجميلة لانجدها في وقتنا الحاضر ولا نعلم السبب في تغير الأحوال .
*نخيل الذيد والشريعة المائية
واحة الذيد عامرة بالنخيل وأصنافه المتنوعة مثل اليبري والخصاب واللولو والخنيزي وعيون البقر و « اصبوع العروس ، والأنواع الأخرى المتعددة من أشجار النخيل المباركة وكذلك العديد من الأشجار الأخرى كالليمون والفرصاد والمانجو والزيتون ( الجوافة) وهذه الأشجار تنعم بها مزارع الذيد وبساتينها الخضراء .
ومن المعروف أن هذه المزارع ترتوي منذ مئات السنين من ماء الشريعة الجاري والذي يأتي عبر قنوات وأفلاج محفورة في الأرض وقد شقت أفلاج الشريعة بفضل سواعد الرجال الذين قهروا المستحيل وجلبوا الماء من الجبال حتی واحة الذيد وأتذكر أن الشيخ علي بن عبيد الخاطري كان يحفر بنفسه هذه القنوات المائية رحمه الله .. حرصا منه على ري هذه المزارع وأحيائها ، وكانت الشريعة مليئة في الماضي بالماء وكانت القوافل التجارية والقوافل العائلية تمر بها وتقف عندها للراحة والاستحمام بمائها العذب وكانت المواشي تشرب منها وخاصة النوق والبكار ، وكذلك عابرو الطريق . ولكن اليوم جف ماؤها بعد أن أصبحت مالحة ولا تجد بها قطرة ماء ولا نعرف السبب .. وربما يعود هذا إلى قلة الأمطار أو احتجاز مياه الأودية في الأيام الممطرة القليلة وتراكمها خلف السدود التي تحتجزها في مكان واحد في باطن الأرض .
ومن المعروف ان السدود كثيرة جداً ولم تعد المياه تتفرع وتتوزع في شعاب الأرض والتي بدورها تصل إلى الآبار ، والملاحظ أن مزارع الذيد نضبت من الماء والعديد من أصحاب المزارع والحقول حفروا عدة آبار في المزرعة الواحدة .
وقديما كانت الآبار الارتوازية تعج بالمياه وكانت تفي بغرض الري الزراعي وتفي كذلك باحتياجات السكان .. ولكن الآن اختلف الوضع كثيراً ونضبت هذه الآبار التي تعمل بالمضخات القوية والكبيرة دون فائدة تذکر . الأمطار الموسمية الأمطار خير وبركة على الجميع ، ولها فائدة عظيمة للإنسان والحيوان وكل الكائنات الحية الأخرى ، وفي الزمن الماضي كانت الأمطار الموسمية الشتوية كثيرة على مدى أربعة شهور حيث تمتلىء المغاني بالمياه وينتشر العشب الأخضر في كل مكان وخاصة في البراري والقفار وتتكون المراعي الخضراء الجميلة التي ترعى فيها الإبل والمواشي التي بدورها تتبارك وتسمن وتنتج السمن والحليب بإذن الله عز وجل .
*الصناعات والحرف اليدوية القديمة
في الماضي كان هناك العديد من الصناع والحرفيين المهرة وخاصة في المدن المنتشرة على سواحل الإمارات .. مثلاً هناك الحدادون الذين يصنعون بعض الأسلحة القديمة مثل الخناجر والسكاكين الحادة والسيوف إضافة إلى بعض الصناعات الحديدية الأخرى وهم فئة من يقال لهم قوم بدل حيث أنهم يتنقلون من منطقة إلى أخرى على مدار العام وليس لهم أي مكان معروف يتصور فيه كذلك
*كذلك هناك صناعات السفن التي تشتهر بها سواحل الإمارات مثل صناعة السفن الكبيرة والصغيرة وهذه صناعة فرضتها الحاجة الماسة وهي علاقة إنسان هذا الوطن بالبحر ولاننسى أن الريف في الإمارات يتواجد به الكثير من الصناعات اليدوية وخاصة من سعف النخيل مثل بناء المساكن الصيفية من سعف النخيل والتي يسمى مفردها ( العريش ) والجمع عروش ، وكذلك بناء الحوائط المنزلية من سعف النخيل مثل «الدفوع والدعون» ، أيضاً هناك صناعة المخاريف ومفردها مخرافة ، وهي التي يتم بها جمع الرطب وما يتعلق بالنخيل ، كذلك هناك الصناعات الفخارية والتي يصنعها أهل الريف مثل الحب والخرس واليحلة » .. وهذه أغراض تستعمل في الشرب وفي حفظ المواد الغذائية . وعرفنا نحن في البادية صناعة بيوت الشعر مثل السلاح والذي يستخدم فيه الصوف الذي ينسج لصناعة الشداد وهو السرج الذي يوضع على ظهور الإبل أو الخيل أو الحمير .. وهذه صناعات حرفية فرضها الزمن وفرضتها الحاجة واخترعها إنسان هذه الأرض.