أخبار عربية ودولية

الحياة في اليابان ..أيقونة الإمبراطور “ميجي”

بقلم / الدكتور محمد الأمين البشرى *

تاريخياً ، وجدت الحياة في اليابان قبل أكثر من عشرة آلاف سنة، ويقول المؤرخون أن اليابانيين جاءوا أصلا من القبائل المنغولية في جنوب شرق آسيا. وقبل نهاية القرن الأول للميلاد هاجرت بعض الأسر من كوريا والصين لتختلط بالعناصر المنغولية القديمة وتفرز الجنس الياباني الحالي.

يقسم المؤرخون تاريخ اليابان إلى أربعة مراحل على النحو التالي:

المرحلة البدائية: قبل القرن الثالث للميلاد وتعرف بفترة “جو مون” أو “يايوي” وكانت مقومات الحياة في تلك المرحلة هي الصيد وصيد الأسماك وزراعة الأرز.

المرحلة القديمة: وتمتد من القرن الرابع إلى القرن الثاني عشر، وقد نشط في هذه المرحلة اتصال اليابان بالعالم الخارجي حيث استقبل اليابانيون الثقافة الصينية خاصة نظام الكتابة والديانة البوذية والفن الغنائي. وفي القرن السابع عرفت البلاد نظام الحكم الدستوري كما كان معمولا به في الصين. وجعل هذا النظام سلطة الدولة فوق سلطة الإقطاع والنبلاء الذين كانوا يشكلون أدوات الإمبراطور في حكم البلاد. إلا أن النظام الدستوري سرعان ما تلاشى لتحل محلها سيطرة النبلاء ورجال الإقطاع.

المرحلة الوسطى: وتمتد من القرن الثاني عشر إلى القرن التاسع عشر. تميزت هذه المرحلة بانتشار حكومات النبلاء ومعاونيهم من المحاربين “الشوقان” و”الباكافو” الذين قهروا المزارعين وسخروهم للعمل لصالح الإقطاع. وفي القرن الثامن عشر تم حظر دخول الأجانب إلى اليابان ودخلت البلاد في عزلة تامة. إلا أن العزلة وفَّرَت الأمن الخارجي، الشيء الذي دعم موقف التجارة وقلل من أهمية الجنود والمحاربين. وشهدت هذه المرحلة تطور التعليم الذي وضع البلاد على أعتاب النهضة.

المرحلة الحديثة: وتبدأ من منتصف القرن التاسع عشر. وقد تميزت هذه المرحلة بعودة الاتصال بالعالم الخارجي والانفتاح العلمي والاقتصادي. وبدأت سيطرة الإمبراطور التامة تأخذ شكلا دستورياً منظماً حتى كان عام 1867 م عندما استسلم جميع الجنود والمحاربون للإمبراطور” ميجي” ، الذي شكل حكومته الجديدة في عام 1868م وشرع في تأسيس دولة حديثة على النهج الغربي، وأصدر أول دستور حديث عرف بدستور “ميجي” الذي كفل الحريات العامة وأقر مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية.

نظم الإمبراطور “ميجي” الجيش على النظام الألماني والقوات البحرية على الطريقة البريطانية. وبعث بعدد من الباحثين والدارسين إلى مختلف دول العالم للدراسة وجلب المعرفة بمختلف أبوابها. وبالفعل أفلح الباحثون الذين ذهبوا إلى الدول الغربية في نقل مختلف العلوم والمعارف  الصناعية الحديثة عن طريق العمل في المصانع الغربية وإجراء البحوث والترجمة. وتمت في هذه المرحلة ترجمة جميع العلوم ونفائس الكتب إلى اللغة اليابانية. وتكتظ الآن المكتبة اليابانية بالمؤلفات المترجمة من جميع لغات العالم بما في ذلك الكتب السماوية واللغات الهيروغلوفية ، الأدب العباسي ، والتراث العربي القديم علاوة على ترجمة للنظم والقوانين المعروفة في جميع أنحاء العالم. وما زالت الترجمة والدراسات المقارنة تشكلان أساس المناهج الدراسية في الجامعات والمعاهد العليا اليابانية. في هذه المرحلة تمت  أيضاً الاستعانة بالخبرة الأجنبية والتقنية الغربية لتطوير وسائل الإنتاج.

من أبرز الخبراء الذين عملوا في اليابان في تلك الفترة نذكر الخبير الزراعي الأمريكي” وليم إسمث كلارك” ، وعالم الطب الألماني “إروين فون بيلز” ، والمهندس البريطاني “إدمون موريل” ، والمهندس الألماني “غوستاف توب” وخبير القانون الفرنسي “غستاف إميل بواسوند” ، إذ بلغ عدد المعلمين الغربيين في اليابان في الفترة ما بين 1881 و1898م ، (6177) بريطانيا و(619) فرنسيا و(45) إيطاليا و(2764) أمريكيا و(913) ألمانيا . وقد تم انتدابهم بواسطة الحكومة اليابانية وفق خطة ترمي إلى تحويل المجتمع الياباني إلى مجتمع غربي فيما عرف بالغربنة أو  westernization.

تاريخ اليابان حافل بالحروب ، الداخلية منها والخارجية ، التي يذكرها الياباني ويتناقل مآسيها وآلامها جيلا عن جيل بالقصص والأناشيد والشعر الغنائي. بدأت تلك الحروب بمحاولات توحيد الدويلات الداخلية ، ثم امتدت إلى غزو روسيا واحتلال دول آسيا المجاورة كالصين وكوريا والفلبين حتى بلغت غزواتهم إلى السواحل الغربية للقارة الأمريكية. وأخيرا اشتركت اليابان في الحرب العالمية الأولى والثانية والتي انتهت بهزيمة اليابان وكارثة هيروشيما التي ألقيت عليها القنبلة الذرية الأولى التي ما زالت أثارها الضارة وذكرياتها الكريهة في البال.

بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية عام 1945م أنشأت قوات الحلفاء قيادتها العسكرية في طوكيو العاصمة ، وشرعت في تحويل اليابان من دولة عسكرية عظمى إلى دولة مدنية تسودها الديمقراطية الليبرالية. وقد حرم الدستور الياباني لعام 1947 م إنشاء الجيوش والاشتراك في الأعمال العسكرية البرية والجوية والبحرية. وقيد الدستور الإنفاق على قوات الدفاع عن النفس(الجيش) بحد أقصى لا يتجاوز 1% من الميزانية السنوية. وتعهدت الولايات المتحدة بحماية اليابان ، حيث أنشأت لها قواعد عسكرية ضخمة تشكل خط الدفاع الأول لأمريكا أمام أي عدوان محتمل من الاتحاد السوفيتي “سابقا” ورفعت بذلك عن اليابان أعباء النفقات العسكرية والأمنية ، مما جعل اليابان قادرة على توجيه كامل إمكاناتها للبناء والتنمية ودعم أسباب الرفاهية والتقدم.

في القرن الأول للميلاد كانت الجزر اليابانية عبارة عن مائة دويلة صغيرة ، وبدأت تلك الدويلات تتحد مع بعضها البعض تارة بالقوة وأخرى بالاتفاق والتعاون  الاجتماعي والاقتصادي حتى كان القرن الرابع للميلاد حيث ظهرت دولة واحدة تغطي منطقة وسط اليابان أو ما يعرف بـ ” كنساي” وأصبحت الأسرة التي حكمت تلك الدولة هي الأسرة الإمبراطورية إلى يومنا هذا. وكان الإمبراطور “جنمو” الذي تولي العرش في 11 فبراير عام 660م هو أول إمبراطور ياباني، ويعتبر يوم 11 فبراير يوم تأسيس اليابان عيدا قومياً حتى اليوم.

* الأستاذ الدكتور محمد الأمين البشرى محجوب
باحث في الشؤون اليابانية

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى