أخبار رئيسية

العطور الطبيعية العربية بالقرية العالمية بدبي -1

دبي / سمير السعدي:
مازالت حكاية العطر غامضة رغم آلاف السنين التي مرت على ابتكار أول قارورة, ومازالت قصة متجددة وحيّة في ذاكرة وسلوك الإنسان المعاصر مستمدة من إرثها الحضاري قوة الإقناع.. ومن أسرارها المحترفة القدرة على البقاء تمامًا مثل الأسطورة وكأنها نداء الغريزة الأبدي.. فالعطر فلسفة واتجاه وثقافة وهوية وعلم ووجود مستقل بذاته والشخصية الثابتة البدائية والمتغيرة العصرية.. تفتح أمامنا آفاقًا رحبة من التساؤلات وعلامات الاستفهام لا تنتهي, وكلما ازددنا عمقًا في البحث كلما ازدادت حيرتنا وتشعبت خطواتنا, ولكن لابد من إجابة على هذا السؤال.. ما هي قصة العطور؟, وكيف تصنع؟, وما هي أسرارها؟, ولماذا تسبب العطور كل هذا التأثير في الإنسان؟, ولماذا يختلف الحكم على عطر معين بأكثر من رأي؟, وما حكاية هؤلاء “الشمّامون” الذين يحددون مزاج عالم العطور الراقية؟, وهل حقًا أن الطب القديم الذي مثله “العطارون” يصلح لعلاج الأمراض؟.. أسئلة كثيرة ومثيرة..
البداية, قبل ثمانية آلاف عام أو أكثر كانت حواء تجوب أطراف غابة مجاورة لكهف الزوجية بحثًا عن بعض الثمار الناضجة وأعواد الخشب اليابسة, وعندما اشتد بها التعب استراحت قرب شجيرة وبدأت تقطف أزهارها الصفراء الندية وتفركها بين أصابعها, هنالك انتبهت لرائحة لذيذة تفوح من يديها فاكتشف أن هذه الأزهار قد تصلح لإرضاء زوجها العصبي الذي يمضي نهاره مطاردًا الحيوانات البرية والصيد.
وقبل ستة آلاف عام ابتكر الفراعنة والإغريق أول عطورهم وكان الإغريق يطلقون على عطورهم لفظ ” نفذ” أي “عبر الدخان” لاعتقادهم أن أريح العطور ما هو إلا دخان سرى يسري عبر الفضاء.. ومنذ ذلك الحين تطورت صناعة العطور وأصبح صنّاعها أكثر قدرة على إبداع الشذى مستفيدين من كرم الطبيعة الأم وسخاء أريجها بوجود آلاف الأزهار والأعشاب العطرية والأشجار والعناصر الكيميائية المشتقة من الطبيعة وهكذا تنوعت مصادر الإبداع والابتكار.. وعبر السنين تبدلت نفحات عطر وتثبتت أخرى, وتجدون نغمات عطر لتتزاوج بأخرى وجاءت تقنيات واستجدت اكتشافات وعناصر مختلفة على هذه الصناعة وأصبح العطر غنيًا وأكثر بهجة وأكثر قدرة على التصنيف والحصر حسب الشخصية العامة لكل فئة.. وأصبح لكل مصنع عطري أو عطّار لائحة خاصة فيها أبرز العائلات الزهرية المتدرجة في صناعاته وعائلات عطرية فرعية, وفي العائلات الزهرية العطرية المستخدمة عالمياً نجد أن هناك خمس عائلات زهرية نسائية وأربع عائلات عطرية خشبية للرجل.
ولطالما عبر العطر عن سلوك الإنسان وخصوصيته لذا كان الملوك والأمراء والملكات والأميرات أكثر طبقات المجتمعات القديمة حرصًا على اقتناء العطور واستخدامها فالعطر رفاهية وانتعاش يقدمه الإنسان لنفسه, وكانت الملكة الفرعونية كليوباترا تستخدم أكثر من عشرين نوعًا من العطر في كل مرة مدللة جسمها بعطور زهرية عند الرقبة والكتف, وعطور زيتية لشعرها وآخر فواكهيًا تحت إبطيها وحول الذراعين وصولاً إلى قدميها, ولم يكن استخدام العطور نزوة عابرة في سلوك المرأة في عصور ما قبل التاريخ. بل كان طقسًا أنثويًا خالدًا تعزز فيه المرأة جمالها ودلالها, ولا أدل على ذلك مما نكتشفه في آثار قبور هؤلاء الأوائل من قوارير مليئة بالزيوت العطرية والمراهم والكحل وأدوات الزينة الأخرى.
وهكذا نستشف منذ البدايات الإنسانية أن العطر كان جزءًا من السلوك الإنساني العاشق للجمال وأنه جزء من فلسفة الصراع بين لغة الجسد المكبل والروح العاشقة للتحرر من قواعد المادة وقوانين الأشياء, فما زال استنشاق شذى الأزهار بشكل محورًا شعوريًا هامًا رغم ألوف القوارير المعبأة في عالم العطر, ومازالت نغمات العطر ورائحته الزكية تروح وتريح أعصاب الإنسان المتأزمة بسبب ضغوط الحياة, وحتى لحظتنا هذه ما زالت الأبحاث والدراسات مستمرة من أجل تحديد سر العطور وسبب تأثيرها القوى في نفسياتنا.
واليوم أصبحت العطور العربيّة مرادفاً للتراث العريق والرفاهية الفاخرة بكل معنى الكلمة, لذلك توجهنا بسؤال إلى بعض خبراء العطور عن الأسرار الكامنة وراء هذه الابتكارات البديعة وما يختفي وراء جاذبيتها وسحرها المميز فكان لنا لقاء مع العارضين وأصحاب الشركات الكبيرة للعطور العربية وفي نفس الوقت عارضين لعطورهم في القرية العالمية واخترنا منهم خمسة سنعرضهم في جزأين متتاليين.
= كانت البداية مع وائل الحريري.. صاحب شركة دار العود للعطور والذي يشارك بعطوره ومنتجاته في القرية العالمية منذ عام 2012 بشكل متواصل وبعدة محلات في كل موسم, ولديه مصنع لإنتاج جميع أنواع العطور الطبيعية العربية المختلفة الروائح والعبير, الى جانب البخورات الطبيعية بأنواعها وروائحها المتعددة ومصادرها المختارة وخلطات هذه البحور, وجميع أنواع المعطرات للبيوت والمفارش.. ويقول عن عطوره الطبيعية العربية أنها تتكون من المسك والعنبر والعود ومعظم أنواع الزهور والورود.. حيث يقوم بجاب الزيوت الطبيعية اللازمة لإنتاج العطور الطبيعية من مصادرها الطبيعية كالعود من الهند والمسك من الصين.. بعد ذلك يتم عمل العطور الطبيعية من هذه الزيوت مع إضافة الروائح المطلوبة اليها والتي تحقق الذوق العربي.. وعن السر في تميز العطور الطبيعية العربية حسب ما يقول أنه يكون باعتمادها على المكون الطبيعي والخلطات بالنسبة لروائح مميزة, والسبب الأهم هو الجودة في التصنيع والتجهيز وبفاء رائحتها مدة طويلة عن العطور الغربية.. كما أنها يدخل في تركيبها في العطر الواحد عدة أنواع من الزيوت التي تعطي روائح مختلفة مما يجعل العطر يفوح طل فترة برائحة مختلفة.. وعن زبائنه من ضيوف القرية العالمية فهم الأوربيون بشكل عام الذين تجذبهم الروائح المنبعثة من المحلات ومن خارجها, لذا قهم يقومون بانتقاء ما يروق لهم من المنتجات العطرية التي تحمل الطابع العربي مثل مخلطات العود والبخور والزيوت العطرية كالمسك والعنبر وخاصة أن كل أنواع العطور خالية من أي مواد كيميائية اقد تسبب الحساسية للبشرة والجلد وهذا ما يدفعهم للإقبال على اقتناءها.. أما الضيوف من الجنسيات الأخرى وخاصة العربية فتجذبهم أيضا روائح الخلطات العربية والبخور المتصاعدة من المحلات, والذين تعجبهم العطور ذات الخلطات العربية بروائح أوروبية فتكون قد جمعت الطابع الشرقي والغربي.. وأما الضيوف من باقي الجنسيات الأخرى فيحبون الزيوت العطرية كمسك الرمان ومسك العروس والعنبر وغيرها.. وأما الخليجيين بشكل خاص فيقتنوا العود الخشبي بكل أنواعه ومصادرة وبكميات كبيرة.. وهناك عود جديد تم اكتشافه وهو العود الفلبيني الذي ينافس العود الكمبودي والهندي ورغم توفره في الأسواق إلا أن أسعاره تفوق أسعار العود الكمبودي.. وينصحون الضيوف عند شراء العطور التأكد من جودتها ومن مصدرها واختيار ما يناسب البشرة ومساماتها.
= وكان اللقاء الثاني مع عارف ضاهر.. صاحب روان بيت العطور والذي يشارك في القرية العالمية منذ بدايتها في جناح لبنان, ويقول أنه يعمل في مجال العطور منذ عام 1993, وهو صاحب مصنع للزيوت العطرية للروائح المتعددة في لبنان مع التركيز على روائح الزهور كالورد والفل والياسمين والزنبق واللافندر وزهر الليمون وأيضا معطرات البيوت والفراش.. ويقول أن شركته تتميز بتصنيع مرشات عطرية خالية من الكحول والمواد الكيميائية من أجود أنواع الزهور والتي تستعمل للجسم والشعر والملابس وأثاث المنزل دون أن تسبب أي حساسية للجسم, كما تتميز ببقاء الرائحة أكثر من 24 ساعة.. وتتميز شركته عطر النفيس المحضر من الورد الجوري والمسك, وكذلك عطر الزنبق وهما الأكثر مبيعا وشهرة في شركته, ولديه قسم خاص لتصنيع العطور الطبيعية.. ويقول عن مكونات العطور الطبيعية أنها تستخرج بآلة نحاسية تسمى “الكركة” حيث يتم غلي الزهور فيها بدرجة حرارة تصل لأكثر من 90 درجة مئوية, ثم يتم تحويلها الى بخار في أجهزة أخرى وبد ذلك يتم تقطير هذا البخار الذي يتحول في النهاية إلى زيت العطر المطلوب استخراجه.. ويقول أن أكثر ما يطلبه ضيوف الرية العالمية العطورات الخاصة بالمفارش, والزيوت العطرية العربية مثل العود والصندل والمسك والعنبر وهو ينصح باستعمال العطور التي تتناسب مع لون البشرة لأن لكل لون بشرة مسامات خاصة تختلف من بشرة لأخرى, فهناك عطر يكون رائحته جيدة على بشرة ما وتختلف عن بشرة أخرى وسبب ذلك تفتيح المسامات.. وعن مستخلص روائح اللافندر يقول أنه ثبت صحيا أنها تفيد في تهدئة الأعصاب وتساعد على التركيز والصفاء النفسي, لهذا تستخدمه المستشفيات وخاصة النفسية وتنشر هذه الرائحة لما لها من تأثير نفسي على المرضى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى