بعد توقف أكثر من عامين بسبب جائحة كورونا، عادت المساجد تنبض بالحياة من جديد، بطاقة استيعابية شبه كاملة، وإجراءات وقائية أقل شدة مقارنة مع السنة الماضية والتي سبقتها، فبعد قضاء خمسة رَمَضَاناتٌ في دولة الإمارات، أتوقف لكتابة هذه السطور بعد أن لمست أن رمضان بشكل عام مختلف في الإمارات عن بقية دول العالم، نظرا لأن المجتمع الامارتي يتميز ب التعددية الثقافية، لوجود الجنسيات المختلفة، أكثر من (250) جنسية من مختلف دول العالم، الأمر الذي رافقه اختلاف في المذاهب الدينية والمعتقدات، وبما أن دين الدولة هو الإسلام فالطابع العام إسلامي دون أدنى شك، وفي رمضان خصوصا ترى لوحات فنية إبداعية، موادها الخام التنوع، والأنظمة والتعليمات، فاللوحة الأولى انتشار المساجد بشكل كبير،ـ يكاد يغطي كل حي وتجمع سكاني، فبالإضافة إلى إقامة الصلاة المكتوبة في وقتها في المساجد والمصليات، تقام صلاة القيام أو التهجد، فالتعليمات تقضي بتجهيز المساجد لصلاة التراويح بمصليات الرجال والنساء، وفي العشرة الأواخر وبعد منتصف الليل تفتح لصلاة التهجد والقيام، وهنا حرصت الدولة على توفير أئمَّة من حفظة القران الكريم كاملاً، ومن أصحاب الأصوات الشجية، وتقام الصلاة باستخدام مكبرات الصوت الخارجية، فهذا شهر عبادة وروحانية، واحترام الاخر، وتقبل التعددية هي السمة الغالبة، لأساس التعامل والتعايش في الإمارات، أما اللوحة الثانية والتي توازي جمال اللوحة الأولى هي خيام إفطار صائم والتي تقام بالقرب من المساجد، ويتعهدها أهل الخير من المواطنين والدولة، والجميل في تلك الخيام أن القائمين عليها يتسابقون في حجزها عند المساجد التي تكثر فيها الحركة، وتزداد مساحتها، خاصة بالقرب من سكانات العمال، ويضاف إلى ذلك الجمال جمالاً أنها لا تطلب منك إثبات الديانة أو أنك صائم عند الدخول، فأبوابها مشرعة ووجباتها متوفرة وتكفي الجميع، أما اللوحة الثالثة وهي أيضا بذات الجمال، هي مراكز وحلقات تحفيظ القران الكريم، والتي ترعاها وتشرف عليها الدولة، وهي على رأس أولويات واهتمام الشيوخ والحكام، فكل فوج ينهي المتطلبات يكون برعاية من الشيوخ وحكام الإمارات، وأيضا تتنوع وتختلف جنسيات ومستويات المشاركين وأعمارهم، حتى من غير الناطقين بالعربية لهم حظ وافر من الاهتمام والرعاية، أما اللوحة الأخيرة فهي الصدقات وفعل الخيرات، فمبادرة مليار وجبة والتي اطلقها الشيخ محمد بن راشد تحصد ملايين المتبرعين وتنطلق مع الأسبوع الأول من رمضان، لتصل لمليار جائع على مستوى العالم، وبالمقابل تزدحم الأسواق بصناديق جمع التبرعات، التي تشرف عليها الحكومة أيضا، لتذهب إلى مستحقيها.
رمضان شهر الخير، ولكنه في دولة الإمارات غير، ما تزال هذه الدولة تسبق الجميع بخطوة، لا بل بخطوات، وكأن هذه البلاد أصابها من دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام نصيب فكانت بلدة أمنة وفيها من الثمرات والخير ما يطال الجميع.