كان للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية والمحاسبين وفرقهم دور هام وحيوي خلال العامين الماضيين في توجيه دفة مؤسساتهم خلال فترة مليئة بالتحديات والصعوبات. وكانت مساهمتهم محورية في مساعدة شركاتهم على تسريع وتيرة التحول الرقمي للتكيف مع عالم جديد تماماً من ممارسات العمل عن بُعد والتوقعات المرتفعة للعملاء.
ونحن إذ نتطلع الآن بنظرة أمل إلى عالم ما بعد الوباء، تركز أقسام الشؤون المالية على الطرق الناجعة للبناء على التحول الرقمي المطبّق خلال فترة الوباء. وفي الواقع، كشف استبيان “بي دبليو سي” العالمي للرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية أن 73% من هؤلاء يتفقون بأن رقمنة أقسام الشؤون المالية تكتسب أولوية عالية، في حين قال 44% من المشاركين في الاستبيان إنهم يتوقعون نمو ميزانية الرقمنة الخاصة بهم في المستقبل.
لقد أصبحت الرقمنة بلا شك أولوية كبرى وسط سعي العاملين في الشؤون المالية إلى تبني التكنولوجيا المبتكرة التي تتيح لهم المرونة والكفاءة لإدارة الشؤون المالية والعمليات والموظفين. وستصبح أقسام الشؤون المالية قادرة على تحويل دورها عبر أتمتة العمليات المكررة ذات القيمة المنخفضة، واستخدام القدرات التحليلية وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي.
لم يعد العاملون في أقسام الشؤون المالية يرضون بأن يكونوا مجرد أداة دعم لإعداد التقارير والامتثال في عالمنا المعاصر الذي تستمر فيه البيئة التشغيلية بالعمل على مدار الساعة كل يوم. لذا فإن التكنولوجيا الرقمية تمكّن هؤلاء من استلام دور أكثر حيوية واستراتيجية مما سبق، الأمر الذي يساعد الشركات على العمل بكفاءة في عالم سريع التغير.
إليكم ثلاث طرق يساهم فيها التحول الرقمي في تغيير دور أقسام الشؤون المالية:
من حفظ السجلات إلى التحسين
بفضل برمجيات المحاسبة الحديثة والمبنية على السحابة، لم تعد فرق الشؤون المالية بحاجة إلى قضاء وقت كبير في تجميع البيانات وتحضير التقارير بشكل يدوي كما كان الحال سابقاً. ففي ظل وجود الأدوات العصرية، أصبح بإمكان تلك الفرق أتمتة المهام الروتينية مثل إدخال البيانات وملاحقة الفواتير وتوزيع المصروفات وغيرها، الأمر الذي أتاح لها وقتاً أكبر للتركيز على مهام أكثر استراتيجية، ومنها تحسين حياة أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة والموظفين في الشركات التي تعمل بها عبر تحديد الفرص المناسبة لتحسين العمليات وخفض التكاليف وتعزيز الأرباح.
من إعداد التقارير إلى تسخير البيانات
لطالما أمضت فرق الشؤون المالية وقتاً كبيراً في التعامل مع البيانات والجداول لإعداد التقارير. لكن بفضل وجود البرمجيات السحابية المناسبة، لم تعد تلك الفرق بحاجة إلى قضاء ساعات طويلة في فهم البيانات وتحضير المخططات والتقارير التي تصبح قديمة وغير صالحة حالما تصل أدراج الرئيس التنفيذي، بل أصبح مهنيو الشؤون المالية قادرين على تسخير رؤى الأعمال الفورية باستخدام البرامج السحابية والتحليلات المتقدمة المتاحة اليوم.
إن إمكانية فهم بيانات أداء الأعمال بشكل فوري تساعد موظفي الشؤون المالية على توفير ساعات من الوقت اللازم لإعداد التقارير، كما تدعم أعمال الشركة عبر الرؤى والتحليلات عالية الجودة. وبذلك سيتمكن هؤلاء من تسخير البيانات على الوجه الأمثل وتسليط الضوء على الفرص المناسبة لمساعدة الشركات على زيادة العوائد والأرباح.
من حراسة الأعمال إلى الابتكار
لقد كان يُنظر إلى منصب الرئيس التنفيذي للشؤون المالية باعتباره حارساً لأعمال الشركة وأنشطتها المالية. وكان دوره التقليدي يتمحور حول ضمان الاستقرار المالي والاستدامة والمسؤولية. لا شك أن هذا المنصب ما زال هاماً ومحورياً في ظل بيئة العمل الحافلة بالتحديات، لكنه توسع الآن ليشمل مهاماً استراتيجية جديدة في إدارة المخاطر.
من ناحية أخرى، أصبحت أقسام الشؤون المالية يتحتّم عليها الآن أن تكون عنصر تغيير يستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي ورؤى الأعمال لمساعدة الشركات على اتخاذ قرارات واعية واستراتيجية. وإن قدرة هذه الأقسام على النفاذ إلى بيانات الأداء تضعها في موقع مثالي لمساعدة الشركات على التخطيط في عالم مليء بالاضطرابات والمخاوف.
لا شك أن الرقمنة أصبحت تغير الوصف الوظيفي لموظفي الشؤون المالية في المستقبل. ونظراً إلى أن التقنيات الحديثة سهّلت الأمر على أصحاب الشركات في جمع بيانات التعاملات المالية وتبسيط العمليات، فهم يتوقعون من موظفي الشؤون المالية الآن أن يتعاونوا بشكل أكبر بصفتهم مستشارين. لن تحلّ التكنولوجيا الرقمية محل المحاسبين وغيرهم من المهنيين، لكنها ستحررهم وستمكّنهم من إضفاء قيمة أكبر على أعمال شركاتهم.
* نائب الرئيس للشؤون المالية في سايج إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا-المحيط الهادئ