مرئيات

أصل الشرور وداء العصور

بقلم / د. ولاء قاسم

تتعدد مظاهر الأنانية والتركيز على الذات لكن أود اليوم أن أركز على شكل شائع منها يتمثل في سمة الغرور التي تميز الكثير من الأفراد الذين يفقدون الإحساس بكل ما هو حقيقي في الحياة وينصرفون إلى ما يظنه الناس فيهم وفي الانطباع الذي يتركونه لدى الآخرين.

تظل تلك الأرواح معذبة وعاجزة عن التوافق مع المحيطين، وذلك لأن الشخص يبدأ بالانفصال عن الواقع المحيط به ويفقد الإحساس بمعنى العلاقات الإنسانية فيصبح موقفه من الحياة مختلاً بشدة.

الغرور أشد السمات الإنسانية فتكا بالفرد فهو يعيق نمو الفرد وتطوره ويحصر علاقته بالآخرين في كونهم مراءة تعكس ذاته المتضخمة، فيجد المغرور لنفسه وضعية مميزة وينأى عن تيار الحياة الرئيسي ويقف هناك وحيدا مكتفيا بمراقبة الناس يسعون ذهابا وإيابا ويتشكك فيهم ففي باطنه عداء مقنع لكل البشر، يسعى المغرور إلى احتلال الصدارة على مستوى كل الدوائر الاجتماعية وتقيمه لأي محفل يتواجد فيه يقوم على البقاء تحت الأضواء طوال الوقت.

يستخدم بعض الأفراد أصحاب الغرور ذكاءهم الفطري في إثبات تفوقهم عن طريق تجريح الآخرين وتوجيه النقد اللاذع لهم ويعتبر ذلك السلوك سمة شائعة تسمى في علم النفس الفردي “عقدة الابخاس” وتتمثل في رفع قيمة النفس عن طريق تبخيس قيمة الآخر والحط من قدره وذلك يقود إلى استنتاجات عميقة تثبت مدى عمق جذور مشاعر النقص والضعف وتأصلها في شخصية الفرد المغرور.

من الآليات النفسية الشائعة التي يتحرك بها صاحب الغرور ما يسمى “عقدة المرض” ففي حين يكره الشخص الطبيعي حالة المرض يستمتع البعض بها، في شكل خفي للغرور يتيح له التحكم بمن حوله بطريقة خفية فالتمارض وسيلة سهلة لابتزاز المحيطين وتحصيل الحب والاهتمام والتحكم بهم وتكريسهم لخدمة مصالحه، صاحب عقدة المرض ينجح غالبا في انتاج مشاعر التوعك التي قد تبدأ بالتقيأ أو الدوخة مثلاً وهي مشاعر حقيقة وأصيلة ولا يمكن وصفعا بأنها كاذبة أو متخيلة، فمن المعروف للمتختصين ان تعاطف الفرد مع وضعية معينة ينتج التأثير نفسه الذي يحدث في وجود الوضع في الحقيقة.

يجد معظم الناس صعوبة بالغة في التعامل مع الشخص المغرور فهم عاجزون عن نقده وتقيمه، فالمغرور يتفنن في خلق أعذار لا حصر له تبرر له التملص ونقل المسئولية الملقاة على عاتقه على الآخرين، ففي التعامل مع أصحاب الغرور نجد أنفسنا في مواجهة ألاعيب وحيل نفسية مختلفة يستعملها المغرور للحفاظ على شعور تفوقه وحماية نفسه من أي إهانة قد توجه إليه.

اعتاد البشر على إخفاء الغرور بستار من كلمات ذات وقع طيب في النفس وعلى رأسها الطموح، فكثيراً ما سمعنا عن الطموحات العالية والتي كانت السبب في الانجازات العظيمة رغم ان هذه العبارة تحمل الكثير من المغالطات المنطقية، فكل انسان لديه درجة من الغرور لكن الغرور لا يمكن ان يكون المحرك الاساسي لنشاط الفرد لأن أي إنجاز مهما كان عبقرياً لن يكون له قيمة الا في ظل المجمتع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى