أخبار عربية ودولية

تقاعس الغرب بشأن أوكرانيا يخاطر باستنتاجات خطيرة في موسكو

واشنطن (د ب أ)-

تراقب أوكرانيا وشركاؤها بقلق المناقشات الدائرة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشأن استمرار المساعدات الأمنية. وفي واشنطن، لم يتحرك الكونجرس للموافقة على طلب الرئيس جو بايدن بتقديم 61 مليار دولار مساعدات، والتي توقفت بسبب مطالب الجمهوريين بتمويل لتعزيز الأمن على الحدود الأمريكية مع المكسيك. وفي الاتحاد الأوروبي، استخدم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حق النقض ضد حزمة مساعدات لأوكرانيا بقيمة 50 مليار يورو.

وقالت دارا ماسيكوت كبيرة خبراء الشؤون الدفاعية والأمنية في برنامج روسيا وأوراسيا بمؤسسة كارنيجي لأبحاث السلام الدولي في تقرير نشرته المؤسسة إن قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية المستمرة أصبحت على المحك. وإذا تم السماح للتمويل الأمريكي بالتوقف، سيكون الحلفاء الأوروبيون غير قادرين على تعويض الفارق في نظم الأسلحة والذخيرة التي تحتاجها أوكرانيا. وتقوم القوات الأوكرانية بالفعل بتقنين الذخائر والتعامل مع زيادة المدفعية الروسية والمسيرات والذخيرة. وكما قال جندي لهيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي) في كانون الأول/ديسمبر، “بدون الذخيرة، هذا (المدفع الأمريكي من طراز هاوتزر) سيكون مجرد قطعة من المعدن- إنه آلة جيدة- يمكننا أن نقوده، لكننا لن نتمكن من القتال به”.

وأشارت ماسيكوت إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرف أن قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الروسية المستمرة تعتمد على الدعم الغربي. وطريقة تطور الأمور غير مشجعة، حيث أنه من المرجح أن تنفد أموال المساعدات الأمنية الأمريكية المتبقية في بداية عام 2024. وتتخلف القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية في مواجهة قدرة روسيا على إنتاج الأسلحة والمواد التي تحتاج إليها بشدة. وقد عزز الكرملين مخزونه بواردات من كوريا الشمالية وإيران.

ولدى ظهوره بجانب الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض مؤخرا ، قال بايدن “لقد رأينا ماذا يحدث عندما لا يدفع الحكام المستبدون ثمن الضرر والموت والدمار الذي يسببونه، ويستمرون في ممارساتهم عندما لا يتم دفع ثمن”. في الواقع، سوف تصبح روسيا التي ترى أنها هزمت أوكرانيا والدعم الغربي، أكثر جرأة وخطورة في السنوات القادمة. إذا اقتنع بوتين أن الدعم الغربي لأوكرانيا يتلاشى، سيتعين على العالم قريبا أن يتكيف مع روسيا الجريحة والواثقة في نفسها بشكل مبالغ فيه والراغبة في الانتقام والتي تعتقد أنها تفوقت على إرادة الغرب. وهذه النتيجة يمكن أن تكون لها تداعيات كبيرة بالنسبة للمهمة الأساسية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) المتمثلة في ردع أي عدوان روسي جديد في المستقبل، وهي مهمة منعت حتى الآن الكرملين من توسيع مغامرته العسكرية إلى ما هو أبعد من حدود أوكرانيا.

وقالت ماسيكوت إن المطالب الروسية الرسمية لإنهاء الحرب لم تتغير، على الأقل بشكل علني. وقد بدأ الكرملين بالفعل في التفاخر بأنه يهزم الغرب بأكمله في أوكرانيا. وبعد أيام من تناول الشمبانيا مع قادة صناعة الدفاع الروسية في موسكو، أكد بوتين مجددا خلال برنامجه التلفزيوني السنوي “الخط المباشر” إن روسيا لن تنهي القتال إلا بعد أن تكون أوكرانيا “منزوعة السلاح” و”محررة من النازية” و”محايدة”. وقال “إما أن نتوصل إلى اتفاق أو نحل هذه (الأزمة) بالقوة”. وهذه كلمات زعيم واثق في أن له اليد العليا.

ورأت ماسيكوت إنه في الوقت الراهن تعد الظروف في صالح روسيا. فقد ضاعفت روسيا ميزانية الدفاع لدعم الحرب ولاستعادة بعض من قوتها القتالية المفقودة. وتتفوق قاعدة روسيا الصناعية الدفاعية على الغرب في مجالات رئيسية على الرغم من عدم الكفاءة وقضايا مراقبة الجودة ونقص العمالة والعقوبات المفروضة عليها. وإذا استنتج الكرملين أنه بإمكانة “الانتصار” في أوكرانيا، وأنه حطم الإرادة السياسية للغرب وأنه تفوق على القواعد الصناعية الدفاعية في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن القادة الروس سيمتلكون ثقة مفرطة في السنوات القادمة بشأن قدراتهم الخاصة.

وترى ماسيكوت أن هناك سابقة لمثل هذا السلوك. فتحت قيادة بوتين، آمنت الحكومة الروسية ،في كل مرة، أن بإمكانها “الانتصار” في صراع- ففي جورجيا عام 2008 وأوكرانيا عام 2014 وسوريا عام 2015 وأوكرانيا عام 2022- خلص بوتين إلى استنتاجات بشأن الولايت المتحدة والغرب: أين توجد الخطوط الحمرء، وما هي الإجراءات التي يرغبون في اتخاذها ومصداقية الالتزامات الأمنية التي يرغبون أو لا يرغبون في القيام بها. ومع كل صراع، اكتسب القادة الروس ثقة في قدراتهم وفي فهمهم لأعدائهم. وبعد مرور سنوات قليلة على شن صراع، قاموا تدريجيا بشن عمليات أكبر وأكثر جرأة. وبحلول 2022، كانوا قد شعروا بثقة كافية لتوجيه كل قوات بلادهم البرية المحترفة لغزو أوكرانيا، ليتكبدوا خسائر فادحة لأنفسهم فيما أصبح سوء تقدير له أبعاد تاريخية.
وحذرت ماسيكوت من أن تداعيات تخلي الغرب عن كييف ستتجاوز أوكرانيا. وتتزايد المخاطر من أن الكرملين قد يستنتج قريبا أنه تفوق على أوكرانيا ورأى حدود الإرادة السياسية للغرب ورغبته في دعم حرب طويلة. وإذا حدث هذا، قد يخلص بوتين إلى أنه تم اختبار الاستخبارات المجمعة للغرب وتخطيطه العسكري وأسلحته وتكتيكاته وإنتاجه الدفاعي، وأنه فشل في تحويل اتجاه الحرب في النهاية.

و تضيف أنه إذا كان الكرملين يعتقد أن أساليب القوة الغاشمة لديه وقدرته على استيعاب الخسائر الفادحة في المعدات والقوات وقاعدته الصناعية الدفاعية يمكن أن تتغلب على الدعم الغربي والإرادة السياسية في أوكرانيا، فإن النتيجة ستكون خطيرة بالنسبة للناتو في المستقبل ولا يجب السماح بحدوث ذلك. فقد يتسبب هذا في تآكل، إن لم يكن إنهاء، الردع.

وأكدت ماسيكوت أن الدعوات من المشرعين الأمريكيين لوضع استراتيجية معدلة لأوكرانيا ونظرية للانتصار باستخدام الموارد المتاحة هي دعوات مقبولة ووجيهة. هناك فرص لأوكرانيا في عام 2024 لتحديد مسار العمليات في ساحة المعركة والاستمرار في تكبيد روسيا تكاليف باهظة وبناء قوة عسكرية يمكن أن تردع أي عدوان روسي مستقبلي. إن من مصلحة الغرب الاستمرار في دعم أوكرانيا، بما في ذلك بوضع استراتيجية محدثة.

واختتمت الباحثة ماسيكوت تقريرها بالقول إنه من المرجح أن تكون روسيا خطيرة سواء تعرضت للهزيمة في أوكرانيا أم لا. ولا يمكن أن يغفل الغرب المشكلات الأمنية طويلة المدى التي ستشكلها روسيا وهي تتعافى من الحرب، وتجدد قوتها العسكرية وتسعى للانتقام، على الأرجح. والغرب في منعطف حرج، ولذلك يجب أن تكون الولايات المتحدة وأوروبا غلى استعداد لحرب بالغة الشدة في عالم به العديد من الجهات الفاعلة المعادية. ويعد التمويل المستمر لأوكرانيا ركيزة أساسية في هذه المهمة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى