مرئيات

أحلام اليقظة…

بقلم / إبراهيم المحجوب - العراق - الموصل

༺༺༻༺༻༺༻༻

في تلك القرية البعيدة عن المدينة والمعدومة من كل الخدمات لا تسمع في نهارها سوى أحلام ورديه يتمناها الأطفال والشباب هناك…أما ليلها فظلامه الدامس مخيف جداً ولا تسمع فيه سوى نباح الكلاب الخائفة هي أيضاً من هدوء الليل..

عند كل صباح ومنذ إشراقة الشمس تبدأ الحياة من جديد .ولكن عقارب الساعة لا تعني لمن منعه الزمن من الحياة الرغيدة شيء. فمهما تقدم الزمن بعجلاته تبقى الناس هناك تعيش على أحلام اليقظة .فبعضهم يحلم بان يلبس ملابس فاخرة في المستقبل والآخر يحلم بالزواج من ابنة عمه أو ابنة خاله والآخر يحلم بأن يكون طيار في المستقبل أو طبيب أو معلم وغيرها من الأمنيات للرجال.. أما أحلام النساء هناك فتكون بسيطة وغير تعددية فالكل يحلمون بزواج الاستقرار من فارس المستقبل بدون ذكر لاسمه وعنوانه لأنها من الممنوعات والمحرمات في ذلك الواقع ..

وتبقى أحلام الرجال الذين بلغوا من العمر عتياً هي تأدية الفريضة الخامسة حج البيت مع عجائزهم رغم أن بعضهم لا يؤدي الصلاة أحياناً.

أمنيات كنا نحلم بها وخاصةً أثناء العزلة مع النفس وأنت تسير في فضاء تلك القرية لوحدك ومعك يسير هذا الهاجس وتتكلم مع أفكارك وأنت تمنيها بهذه الأمنيات..

سلاماً على طفولتنا البريئة والصافية بنقائها كصفاء الجو أثناء فصل الربيع ..

حتى أحلامنا في الطفولة عرفناها مع تقدم العمر إنها بسيطة جداً ..لأننا لم نحلم في يوم من الأيام أن ندخل عالم الشهرة وأن نصبح فنانين مشهورين أو لاعبي كرة قدم محترفين أو من أصحاب رؤوس الأموال. لم نحلم اننا سوف يكون لنا بيوت في المدينة مبنية بطريقة الإعمار الحديث ونركب سيارات ضخمة متوفرة بها كل وسائل الراحة…

ولم نحلم أن المستقبل معه جواز السفر وباستطاعتنا السفر لأي دولة في العالم ..

تحققت أحلام الطفولة ولكنها كبرت كثيراً مع تقدم العمر .ومازالت ترافقنا الى عالمنا المعاصر الجديد ..مازالت تريد التسابق معنا فمن القرية الصغيرة والخالية من مظاهر التلوث البيئي إلى المدينة الكبيرة وضجيج السيارات والمصانع ..

حملنا كل هذه الأحلام والأمنيات ونحن نعطيها جزء من أوقات فراغنا لنريح بها أنفسنا التي أعطاها الله من نعمه كل شيء ….
ومع تقدم العمر بدأت الهواجس تحيط بنا من كل صوب .وبدأ الفراغ المخيف الذي يكلمنا عن قربنا من النهاية …

نهاية الدنيا وبداية عالم آخر مجهول لا يعلمه الى الله .نهاية يخيفنا بها علماؤنا في الدين في كل خطبة وحديث وهم يتحدثون إلينا عن العذاب في القبر وعذاب النار…لم يذكروا لنا شيء نفكر به أو نتمسك به من رحمة الله وعفوه ومغفرته …ولم يتركوا أي باب مفتوح لنا لنفكر بالنعيم قبل الجحيم…ولماذا لانحلم بالجنة مثلما كانت أحلام طفولتنا بالحياة المرفهة…اليوم ونحن نؤدي ما فرض الله علينا ونطلب المغفرة تعلمنا أن الحياة غرفة لها بابان تدخل بها من باب وتخرج من باب آخر…
سلاماً علينا وعلى ذكرياتنا وعلى قريتنا ومدينتنا وعلى طفولتنا ومشيبنا .

سلاماً على بيوتنا وعماراتنا في القرى والمدن وعلى قبورنا بين المقابر .وعلى منازلنا في الدنيا والآخرة.. سلاماً على أحلامنا في اليقظة والمنام.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى