مرئيات

بناء خرائط الحب

بقلم / د. ولاء قاسم

لما كانت الأسرة تشكل نواة المؤسسات الناظمة الحياة في المجتمعات والمؤطرة لأنشطتها، برزت الحاجه الى أطروحات علمية تسهم في بناء صحة الأسرة النفسية زواجياً ووالدياً، لذلك في أود في حديثي إليكم اليوم أن أتناول معكم، مفهوم الصداقة الزوجية الذي ابتكره وطوره العالم جون جوتمان، وذلك المفهوم لا يقتصر فقط على مفهوم التودد للشريك أو المعاملة الجيدة، وإنما يتجاوزه إلى بناء خرائط الحب (Love Maps)، والتي تشير إلى فهم أعمق للشريك ومعرفة تفاصيل حياته الشخصية بشكل شامل، والاهتمام بجمع معلومات عن أحلامه وأمانيه وتفضيلاته وخصائص وجوده وتجاربه السابقة وهواياته وأصدقاؤه وأي تفاصيل أخرى مهمة في حياته لتصل الى فهم ثاقب وشامل لشريك الحياة .

تبني خريطة الحب قناة اتصال مع الشريك، حيث تسمح لك بالتواصل بشكل أفضل معه وفهمه بشكل أعمق، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تعزز الانتباه والاهتمام المستمر بالشريك وتعزز الارتباط العاطفي بينكما وقد وجد عدد من المختصين والمهتمين بالعلاج الزواجي أن بناء الصداقة الزوجية وتجديدها باستمرار له أثر عميق في الحفاظ على العلاقة وتحصينها وتجاوز أصعب المشكلات الزوجية بما فيها الخيانة التي تعتبر من أكثر المشكلات الزوجية تعقيداً.. وغالباً ما تترك جرحاً غائراً في جسم العلاقة ورغم ذلك فإن وجود خرائط حب دقيقة ومحكمة وصداقة متينه ساعد كثيراً من الأزواج على تجاوز الأزمة.

لبناء خريطة الحب، ينبغي عليك أن تكون مستعداً للتفاعل والاستماع الجيد إلى الشريك وطرح التساؤلات المفتوحة والعميقة للاستفسار عن تفاصيل حياته واحتياجاته، يمكنك أيضاً مشاركة تفاصيل حياتك الشخصية مع الشريك لتعزيز التواصل المتبادل.

ومن وجهة نظري تشكل الثقة أحد اهم أعمدة الصداقة الزوجية، حيث يجب أن يتوفر باستمرار يقين بأنه يمكنك الاعتماد الشريك في كل جانب من حياتك وأنه سيستمر بالعناية بك ورعاية مصالحك، وأن أسرارك الخاصة سوف تحفظ بسرية تامة، ولعل الالتزام بالعهود المعلنة بين الزوجين أقصر طريق لتعزيز هذه الثقة، اضافة إلى انتهاج الشفافية التامة ومشاركة الأفكار والمشاعر والمخاوف بصراحة كاملة.

وكلما كانت عجلة الحياة سريعة الإيقاع وبما أننا نحيا في عصر من التسارع وانعدم اليقين ظهرت الحاجة إلى المرونة والانفتاح والتجاوب مع التحولات وبناء اللياقة التكيفية ليكون الزوجان قادرين على التأقلم مع المتغيرات وتحديات الحياة والتفاعل الإيجابي مع بعضهما حتى في الأزمات التي تتطلب العمل معاً كفريق لتجاوز المشكلة مع الانفتاح على العالم المحيط والاغتنام من فرصه لتحقيق النماء الذاتي والتحصن ضد الأخطار المتعاظمة والمتنوعة المصادر.

ولعل أهم استراتيجيات تعزيز الصداقة وبناء خريطة الحب يتمثل في تحقيق التوازن بين الحرية الشخصية والالتزام تجاه العلاقة، ولن يتأتى ذلك إلا من خلال ترسيم الحدود بين الشريكين بعضهما البعض بشكل يضمن التماهي بين الشريكين دون حدوث الانصهار الكامل الذي يؤدي الى ذوبان الهوية الذاتية، ولا بد من التواصل بانفتاح حول احتياجات الشريك وتطلعاته وأهدافه في الحياة ثم المساندة وتقديم الدعم المعنوي والعاطفي لتحقيق تلك الأهداف. وكذلك ترسيم حدود واضحة للعلاقة بين الشريكين مع المحيط على كل الأصعدة سواء كان ضمن المنظومة الحية من الاهل والاصدقاء أو زملاء الدراسة والعمل وعلاقة كل منهما مع الجنس الآخر أو ضمن الحياة المادية بكل تفريعاتها.

ولا يفوتني في الختام ان انوه الى ان تحقيق الصداقة الزوجية يتطلب نوعا من العفوية والمرح والاحتفاظ بروح المغامرة وقضاء اوقات في السفر وممارسة الهوايات ومشاركة الا صدقاء فكل ذلك يعزز الارتباط العاطفي بين الشريكين ويوفر اجواء من التشارك والتلاقى ويعمق فهم الشريكين لتفرد الآخر وتمايزه الشخصي في إطار علاقة معافاة.

واخيرا لا تنسى الاهتمام بالتغير ولا تتدعي المعرفة التامة بشريكك فلا يمكنك الاتكال على خريطة حب قديمة وغير محدثة فكل شخص منا معرض للتغير بشكل مستمر لذلك احرص على مواكبة شريكك والاهتمام بتغيراته وتطوراته الشخصية فبناء علاقة ناجحة يتطلب استثمارا في العلاقة من الطرفين وممارسة الصبر والتفاني لبناء علاقة زوجية صحية ومستدامة.

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى