مرئيات

صيام رمضان بين الماضي والحاضر -2

بقلم : إبراهيم المحجوب - العراق - الموصل

كان صيامنا طوال النهار صعب جداً وخاصة عندما يصادف شهر رمضان اثناء فصل الصيف ونحن نتقلب في الغرف الطينية ولم تكن الطاقة الكهربائية موجودة في حينها ولذلك تجد النهار في الصيف شاق جداً ويرافقه العطش منذ ساعات الصباح الأولى ولكن العزيمة على الصيام كنا نضعها في أول حسبان لنا لأننا نؤمن بأن أجر الصيام عظيم ورغم صغر أعمارنا في ذلك الوقت الا أن الصيام كان بالنسبة لنا شيء مقدس وفيه نوع من الرجولة ونعتبر أي شخص يقوم بالإفطار في شهر رمضان شيء معيب وغير مقبول…

ما أجملها من عبادة كانت قائمة على الفطرة الربانية ولم تكن لغايات معينة ولم نعاتب اهلنا في وقتها على نوع الفطور لأننا كنا مقتنعين تماماً بأن أقدارنا في الحياة قد كتبتها لنا السماء قبل أن نخلق في الأرض…

لم نكن نعرف في وقتها ما هي صلاة التراويح لأننا في قرية كما ذكرت سابقا لا يوجد فيها مسجد وكان اللقاء بعد صلاة العشاء بين شباب القرية وهم يتكلمون بمواضيع ربما مكررة يوميا ولكنها غير مملة لأن التكرار أحياناً أفضل من الفراغ القاتل أو الصمت الرهيب…

لم يخيفنا في ذلك الوقت الظلام الذي كان يرافقنا طوال ساعات الليل لأننا تعودنا عليه كما يتعود الإنسان البصير المحروم من نعمة البصر..
كان شروق الشمس بالنسبة لنا يعني ولادة يوم جديد حقيقي وولادة حياة داخل ارواحنا..

كنا نحسد أبناء المدن على حياتهم التي نسمع عنها وكنا نتصور إن كل من يسكن في المدينة يعيش حياة مترفة لأن بيوتهم كانت تعتبر قصور بالنسبة لنا..
لم يكن في حساباتنا التهيؤ لشهر رمضان وشراء الحاجيات والمواد الغذائية واللحوم لأننا نعتبره شهر طبيعي بالنسبة للمأكل والملبس أسوة بباقي الشهور وما يميزه هو العبادة فيه وكذلك شرائنا لبعض الملابس الضرورية قبل العيد…

اليوم اختلفت موازين القوى واختلف فيها كل شيء وأصبح صيام شهر رمضان مختلف كليا عن السنوات السابقة وربما يجتمع ببعض الصفات وهي الامتناع عن الأكل والشرب فقط ولكن أنواع الفطور وموائد السحور وأنواع المشروبات الطبيعية والغازية والحلويات والمائدة الطويلة قد اختلفت كليا عن ذلك المنسف الذي كان يضعون لنا فيه قليلاً من الرز وربما بعض الشيء من الشوربة وحتى أوقات الصيام فان الأغلبية من الناس اليوم ينام أغلب ساعات النهار ليسهر في الليل.. لقد ذهبت قدسية هذا الشهر المبارك إضافة الى الإفطار العلني الموجود في المدن والذي اصبح حالة طبيعية دون رادع وكذلك الازدحام في الأسواق لشراء كل شيء من المواد الغذائية وكأَن شهر رمضان هو شهر موائد طعام وليس شهر عباده….
يتبع…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى