أقدر أنك قد تشعر ببعض الاستفزاز من سؤالي في عنوان المقال !! لكني هنا لا أتحدث عن الإنجاب كمسألة بيولوجية فحصول الإنجاب في بداية الزواج لا يعني بالضرورة بروز الجدارة الوالدية تلقائياً.
بما أن الأسرة تشكل نواة الخلية الاجتماعية، فإن وعي الوالدين وجدارتهم يشكل مراسي لبناء الهوية الذاتية للأبناء وأساس صحتهم النفسية ومتانة شخصياتهم وحصانتهم الخلفية، فالوالدين هم من يؤسسون لأفراد أسوياء منفتحين على الدنيا وقادرين على النماء والعطاء.
بناء الجدارة الوالدية يحتاج إلى الوعي التام بمتطلبات ومهام الوالدية وإتقان المهارات اللازمة للقيام بالأدوار المطلوبة منهما ودرجة من التوافق بين الزوجين على صعد الفكر والرؤى والتوجهات، يحتاج ذلك إلى إجراءات تكيفية ونمو نفسي يتلاقى فيه رغبة الزوجين في الإنجاب مع استعدادهما النفسي وتوقعاتهما لأدوار الأمومة والأبوة وإلا سوف يواجه الزواج والتربية بمطبات ومشكلات عميقة، وبالمقابل فإن امتلاك الجدارة الوالدية يضمن الاستقرار والاستمرار والفاعلية رغم ما يعترض الأسرة من عثرات نعدها من طبيعة الحياة ذاتها، لكن الوالدين الجديرين قادرين على تجاوزها وإعادة الانطلاق بزخم في مشروع وجود متنام ذاخر بالطاقات الحية.
الجدارة الوالدية تحتاج إلى التمتع بالنضج النفسي والعاطفي لممارسة المهام الوالدية ، وعلي رأسها قدرة الوالدين على حب الطفل ورعايته والتواصل معه والتفاعل مع استجاباته والتقبل غير المشروط لشخصه ، وأن تسمح لطفلك أن يعيش ذاته . فالإنسانية دائماً مبتكرة وجديدة ونسيج فريد فلا مجال فيه للتعميم، فكل شخصية لها امتياز، لها جانب متفوق، فيها بذرة عبقرية لا يمكن إدراكها إلا بالسماح لها أن تكون وتنطلق في فضاءات الحياة الرحبة.
من أكبر التحديات التي تواجه شعور الوالدين بالسيطرة على حياتهم بعد الإنجاب هي الحاجة إلى إجراء تحولات حياتية كبيرة على مستوى روتين الأسرة وأولوياتها، لتلبية الاحتياجات الأساسية للطفل، وهناك الحاجة إلى وضع القواعد التي تنظم نشاط الطفل وتؤطر لحياته، وأيضاً وضع الحدود التي تضمن الأمان والسلامة وموازنتها مع تقديم الحب والحنان والاستجابة العاطفية، ويعد انسجام الوالدين هنا على مستوى العلاقة العاطفية ودرجة الارتباط بينهما أكثر ما يساعد في التكيف مع تلك المرحلة الجديدة في حياة الأسرة.
ولا تتوقف الجدارة الوالدية على المرحلة المبكرة من عمر الطفل وإنما ينبغى أن يستمر الوالدان في تنمية قدراتهما لمواكبة نمو الطفل وتقدمه في العمر فيكون لديهما من المعرفة والثقافة للإجابة على أسئلة الطفل وتقديم شروحات مناسبة، وإعطائه الفرصة للتفكير والتعبير والتجريب لبناء تقدير الذات واحترامها وتعميق الثقة بالنفس والسير على طريق الاستقلالية ثم دفع الأطفال في سنوات المراهقة وبدايات الشباب باتجاه التسامي الروحي مع تعزيز انتمائهم الاجتماعي ومشاركتهم النشطة في قرارت صناعة المصير الأسري والعام.
غالبية الأسر لاتكتفي بطفل واحد لذلك سياسية الإنجاب التي يتبعها الزوجان والفارق العمري بين الأخوة يشكل أيضاً يشكل أيضاً عاملاً مفصلياً في بناء هيكل الأسرة، فالمباعدة الزمنية بين الولادات عامة ليحظى كل طفل بالقدر الذي يحتاجه من رعاية واهتمام الوالدين، ثم تأتي أهمية توازي توزيع الحب والاهتمام والقبول والرعاية بين الأخوة وفرض الحدود بينهم مع تجنب التميز في المعاملة الذي يشكل أهم أسباب الغيرة بين الأخوة والصراع الأخوي.
وختاما يجب الا ننسى ان الجدارة الوالدية بناء ينمو وظيفيا وتزداد فاعليته بالتجارب وخوض الصعاب والتحديات الاسرية والظفر بها، وتذكر ان الحب سيظل العنصر الذي يشكل اسمنت الجدارة الوالدية الذي يبني من الأسرة كياناً شامخاً ومجالاً حيوياً حاضناً وحانياً ،ودائماً بمقدار استقامة الأمور داخل الأسرة تستقيم الحياة…