مرئيات

تحرر من قيد الطفولة

بقلم / د. ولاء قاسم

لطالما شعرت بالتردد في اتخاذ القرارات والشك في الذات والقدرات، شعور دائم بعدم الأهلية يصبغ حياتي بلون رمادي فلا أستطيع التقدم ولا التراجع بل أتجمد في مكاني قصرا!!!

سؤال يردني في الاستشارات بكثرة بصيغ متعددة وسرديات مختلفة.

ديناميكيات العائلة المتشابكة تحصر الأبناء في أدوار معينة، فقد يقضي الابن حياته مشياً على أطراف الأصابع خوفاً من إثارة الفزع لدى والديه اللذان يذوبان خوفاً من مشاعر الرفض أو الهجران، فالوالدان يعدان تعبير الابن عن فردانيته وأصالته وتعزيز اختلافه عنهما وخروجه عن الخط الذي رسماه لحياته مكدراً للرابط الأسري ومهدداً لأمانهما النفسي.

في مثل هذه الحالات يرى الابن أن تجاربه الداخلية الفريدة ليس لها شرعية ويخجل من أي جانب في ذاته مختلف عن والديه فتصبح مواطن قوته وفردانيته غريبة وغير محبذة بالنسبة له، في عملية تشوه عقلي وعاطفي تفقد الابن هويته الذاتية تدريجياً.

قد يتبادر إلى ذهنك أننا كبرنا الآن وتحررنا من قبضة والدينا وأهلنا وأصبح لدينا كامل الحرية في اتخاذ القرارات وحرية التصرف، لكن مع الأسف لا تسير الأمور بتلك الطريقة، وذلك لأنك تلقيت تدريباً مكثفاً يحثك على وأد بواعث التمرد في الحياة في مهدها، فما يحدث عندما نصبح بالغين هو عملية نسميها “استبطان صوت الوالدين” وهي عبارة عن صوت داخلي أو نحن نعتقد أن مصدره داخلي، صوت غاضب، ناقد، يستمر في إرسال رسائل التشكيك السلبية.

غالبا ما يستقر الصوت المستبطن للوالدين من الجزء الأيسر من الدماغ حيث تتحكم اللغة والمنطق وعندما يتحكم الجزء الأيسر من الدماغ في مسار الحياة دون التوازن الذي يحققه تدخل الجانب الأيمن فإنه يضع الكمالية قبل الشعور ويتكل على المنطق ويعزل العاطفة ويعمل على تقييمك بشكل معادلات شبه آلية فإما أن تكون مثالياً أو ناقصاً، صالح أو طالح وذلك شكل من أشكال الصلابة الذهنية التي تترافق عادة مع عدم النضج العاطفي.

ولن يتحرر أحدنا إلا بجلب الوعي إلى ساحاته العقلية والعاطفية، وذلك بأن تعرف أن ذلك الصوت مستورداً وليس جزءاً من ذاتك الحقيقية وأن تعمل على مقاطعة ذلك الناقد الداخلي الذي بتلبسك وتحمي قيمتك الذاتية من تقييماته النقدية، سأدعوك في هذه اللحظة في اتخاذ قرار موضوعي للتحرر من التأثير غير المبرر لذلك الناقد الداخلي.

شخصياً أعتقد أن مفهوم تمايز الذات هو مفهوم يتعلق بنظرية النمو الشخصي والعلاقات العائلية، والذي طوره مؤسس علم الأسرة موراي بوين. أحد المفاهيم المهمة جدا في ضبط علاقة التجربة الداخلية بالأسرة والمحيط وهو الترياق لمشاعر العجز المؤلمة التي تخلفها العلاقة المرضية بالوالدين.

تمايز الذات يشير إلى القدرة على تطوير هوية شخصية مستقلة ومتكاملة، والقدرة على التفكير بشكل مستقل عن الآخرين واتخاذ القرارات بناء على قيم ومعتقدات شخصية. الأفراد الذين يمتلكون مستوى عالياً من تمايز الذات يكونون أكثر قدرة على التعامل مع التوترات العاطفية وتحديات الحياة على اختلافها.

بداية التحرر في أن نمتلك حرية التعبير عن نفسنا ونتعلم قبول مشاعرنا وأفكارنا دون إدانة أو تجريم وتركها تتدفق على نحو طبيعي فالمشاعر والأفكار جزء عضوي من الطبيعة البشرية فمن عدم النضج أن يحكم الإنسان على ذاته من خلال مشاعر انتابته أو فكرة مرت بفضائه العقلي فتعاطفك مع ذاتك لبنة أساسية لبناء فردية قوية.

من المهم خلال مسيرتك نحو التحرر أن تمتلك القدرة على الحفاظ على توازن صحي بين القرب والانفصالية وتلك مسألة جوهرية لتطوير علاقات صحية ومتوازنة،
لذلك عليك أن تتجاوز المشاركة الوجدانية المفرطة التي تتجاوز التعاطف الصحي والإيجابي الذي يبعث على العمل وتقديم المساعدة إلى الانخراط بالكامل في تجربة الوالدين والأسرة فقد ينتهي بك بالشعور بالأسى تجاه شخص آخر أكثر من الشخص نفسه، فكلنا علينا أن نتعاطف لكن دون الانصهار في تجربة الوالدين والمحيطين ودون أن نفقد
الوعي بحدودنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى