مرئيات

النضج العاطفي

بقلم / د. ولاء قاسم

“لاحظت في كتاباتك أنك كثيراً ما تتحدثين عن النضج العاطفي، وأود أن استفسر ما المقصود بالنضج العاطفي وكيف يمكننا الوصول إليه؟؟”.

رسالة وردتني أود أن أقدم عميق الامتنان لصاحبها لأنها أضاءت في عقلي شعلة إدراك لنقطة مهمة وهي أهمية توضيح المفاهيم التي نتناولها فيما نقدمه من أطروحات لتجنب اللبس والارتباك الذي قد يصيب القراء نتيجة غموض المصطلحات أو التباين في فهمها.

النضج العاطفي درب النمو الشخصي والعلاقات الصحية، وقصور ذلك النضج هو ما يدفع الأغلبية للظن أن العلاقات السوية والمجزية حلم بعيد المنال.

أود أن أجافي التعريفات الجامدة للنضج العاطفي فهي متوفرة في المصادر بكثرة لأبحر في سمات الاشخاص الناضجين عاطفيا، وكمْ يستهويني ذلك الحديث!!! لأن الوعي بتلك السمات يجلب هباته الخاصة والتي تضمن لك صلة أعمق وأكمل مع الذات والمحيطين، فعندما نتعرف الى سمات الناضجين لن نكتفي بأول شخص يظهر لنا بعض الاهتمام أو يقدم الحد الادنى من العلاقة وعندما ندرك مواطن قوتنا العاطفية وقدرتنا على الاتصال سندرك إن مفاتيح العلاقات الأسعد كانت بداخلنا طوال الوقت ونحن هنا لا نتحدث في إطار العلاقة العاطفية وإنما ننطلق من منظور أكثر شمولية.

أهم ما يميز الأشخاص الناضجون أنهم يجيدون الاستمتاع بالحياة .. أشخاص تستمع بقربهم منك، حتي لو لم يشعروك بالسعادة طوال الوقت لكنهم أشخاص قادرون على توليد أجواء إيجابية ومريحة،
هم أشخاص يحترمون فرديتك ويقدرون تجربتك الداخلية يحتفظون بمكتبة ذهنية لأجمل صفاتك يذكرونك بها عندما تشعر بالإحباط وقد يبدو لك أنهم يعرفونك أكثر من نفسك فتشعر معهم أنك مرئي ومقبول في جو دافيء تنمو فيه الحميمية وتزدهر.

هم أشخاص مهذبون بالفطرة يسعون للاتصال والتقارب وليس التطفل أو التسلل، يضعون مشاعرك وحدودك في الحسبان عند أي تفاعل، لا يسعون لعمل تحليل لدوافعك وأخبارك بما قصدته من تصرفك وكيف عليك أن تغير طريقة تفكيرك في سعي حثيث نحو التشابك والسيطرة على تفكيرك ومشاعرك خدمة لمصالحهم.

يمتاز أصحاب النضج العاطفي بطباع معتدلة فلا يظهرون قابلية للتهيج السريع الذي ينم عن هشاشة نفسية وعدم استحقاق، بل هم أشخاص متجاوبون يشاركونك وجدانياً، حتى في وقت الخلاف تستشعر الأمان العاطفي في قربهم فهم يمتلكون الوعي الذاتي والذكاء العاطفي الذي يدفعهم نحو مسلك إيجابي في التفاعل ويقودهم الى إنصاف من يشاركهم في العلاقة.

الأشخاص الناضجين عاطفياً غير مولعين بالكمال ويعلمون أنهم بشر غير معصومين وكما أن لهم مميزات فيهم نواقص وعيوب لذلك فهم لا يشعرون بالإساءة بسهولة ولا يأخذون الأمور على محمل شخصي، فشخصنة الأمور دلالة على النرجسية وتدني احترام الذات، والشخصنة تجعل الإنسان يخضع لحالة تقييم مستمر فيرى الإهانة والانتقاد حيث لا وجود لهما ويظل في حالة دفاعية تستهلك طاقة العلاقة كثقب أسود.

الناضج عاطفياً يحترم فكرة الأخذ والعطاء في العلاقة فلا يستغلك لكنه يطلب الاهتمام والمساعدة حين يحتاجها، وقد يجزل لك العطايا لكنه لن يسمح باستنزافه ولن يسمح أن يستمر اختلال الميزان الى أجل غير مسمى، وإذا اخطأت معهم فشعروا بشيء من خيبة الأمل ستجدهم أشخاص مرنين منفتحين على أفكارك لن يتقمصوا دور الضحية وسيقبلون التسويات والمقايضات ويبحثون عن طرق جديدة للشعور بالإشباع، في موازنة متعادلة للرغبات، كما أنهم لا يعبسون ويلتزمون الصمت لفترات طويلة بل أنهم يأخذون زمام المبادرة لأنهاء الصراع بديلا عن التزام الصمت العقابي.

الشخص الناضج هو شخص متسق مع ذاته لديه إحساس متكامل بالذات ولن يفاجئك بتناقضات غير متوقعة فهو صاحب مبدأ في الحياة لذلك هو مأمون ولن يخون ثقتك.

والآن يمكنك أن تقرر هل الارتقاء بذاتك لدرجة أعلى في سلم النضج العاطفي والارتباط بأشخاص يمتلكون ذلك النضج مسعى مهم وذو معنى بالنسبة اليك؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى