مرئيات

“العزوبية الاختيارية” نمط حياة جديد

بقلم / د. ولاء قاسم

في ظل تسارع الحياة والفردانية المتنامية في عالمنا المعاصر . أصبحت ترد إلينا كمختصين تساؤلات كثيرة حول ضرورة الزواج أو مدى امكانية قبول العزوبية كنمط للعيش ، وهي أسئلة تشحن ذهننا بالحيرة ، فنجد أنفسنا أمام سؤال كبير لماذا تحولت أسئلة الشباب مِن مَن اتزوج وكيف ومتى إلى هل أتزوج !! وأتمنى شخصياً أن تكون حيرة مبدعة، تقود إلى كشف خبايا الواقع وتوصلنا إلى درجة من الارتواء المعرفي .

قد تكون الظروف الإقتصادية والضغوط المعيشية وارتفاع تكاليف الزواج قد ساهمت في عزوف البعض عن هذا الارتباط ، ولكنها ليست الوحيدة فنحن إزاء تحولات اجتماعية رهيبة، حيث لم يَعُد الزواج أولوية للشباب، بل تحول إلى خيار فردي يُعرقل ثقافة الذاتية والانجاز.

تُحدث هذه التحولات الكبرى اختلالاً في منظومة القيم والأولويات، حيث باتت مساحة استقلال المرأة وطموحاتها الذاتية تنافس الزواج كهدف حياتي.
ومع الأسف، قد لا يدرك هؤلاء الأشخاص ( شباباً وفتيات ) حجم ما فقدوه إلا بعد أن يصلوا إلى أعمار متقدمة، حيث تنكشف الأزمات الوجودية المصاحبة للعزلة والوحدة وحينها قد لا يسعهم إلا القول ” على نفسها جنت براقش “.

ورغم أن الظواهر الإنسانية تتسم بالتنوع والتعقيد ويتداخل فيها الثقافي بالبيولوجي والنفسي والاجتماعي ، أنا هنا أود التركيز على الجانب النفسي من هذه الظاهرة .

شخصياً افترض أن الرغبة في الزواج لا بد أن تكون قائمة لدى البشر الأسوياء ( ذوي التوجه الجنسي السليم و المحتفظين بعفتهم ) فيسدنا آدم وهو في الجنة لم يطق البقاء دون أنثى تحتويه فخلق له المولى جلا في علاه زوجة من ضلعه لتؤنسه ، لذلك فلابد أن تكون هناك بعض الدوافع التي تؤدي الى فقدان تلك الرغبة ،وربما كان ما يراه الشباب من انتشار يثير الفزع لحالات الطلاق له تأثير عميق في سد شهيتهم عن الزواج وتعميق مخاوفهم من الدخول الى تلك التجربة المحفوفة بالمخاطر ( الخوف من الفشل )هو الدافع الأول .

ويجدر الإشارة هنا إلى أن كل من الزوجين يدخل منظومة الزواج محمّل بتاريخه العائلي بكامل ما يميزه من صحة ونضج أو أزمات ومعوقات.
فالكثير من المتخصصين يشيرون إلى ما يشبه “الوراثة النفسية” التي تتكرر عبر الأجيال، من الأسرة الممتدة إلى الأسرة الصغيرة. فبدراسة العديد من حالات الطلاق، يتضح أن أحد الزوجين قد نشأ في أسرة متصدعة في كثير من الأحيان لذلك فحدوث حالات طلاق في الأسرة عموماً وطلاق الوالدين خصوصاً من أكثر الأسباب التي تبعث على الخوف من الزواج.

من جانب آخر، يقوم بعض الأهل بما يمكن تسميه “زواج الصفقة”، حيث يسعون إلى المال والمنفعة أو تسلق سلم الوجاهة الاجتماعية من خلال عقد زواج وعلاقات مصاهرة يدفع الأبناء ثمنها عاطفياً وجنسياً وربما وجودياً في زواجات محكوم عليها بالفشل مسبقاً.

ومن وجهة نظري تشكل ( معضلة الاختيار ) الدافع الثاني لفقدان الرغبة في الارتباط ، في عصرنا الحالي كثر احتكاك الجنسين ببعضهم في بيئة العمل والمناشط الإجتماعية والرياضية وعلى سائل التواصل المختلفة فذلك الكم اللامتناهي من الخيارات والمرشحين المحتملين يجعل عملية الاختيار شاقة ومعقدة ويقود الى مايسمى ” الانتقائية المفرطة ” أي البحث عن الشريك المثالي بدلاً عن الجيد .

وختاماً دعنا نتساءل هل الأدعى تبديد المخاوف وخوض التجربة بكل أبعادها فنحن لاننكر العقبات والمشاكل فحتى بيت النبوة لم يخلو منها أم تفضل البقاء في دائرة راحة وهمية تورثك حسرة وندامة لاحقاً؟؟!

إذن لنحل لتلك المعضلة ابتداء لابد أن نحدد الغاية ( المعنى ) الذي ترغب أن يحققه هذا الزواج في حياتك ومن ثم تعمل على دراسة ذاتك وتفضيلاتك لتستطيع وضع فلاتر معرفية وفلاتر قِيمية تعينك في مسألة الاختيار ، بعدها تتوجه الى البحث عن التكافؤ ( خلفيات متقاربة وتوقعات متشابهة) ، وأخيراً يأتي التوافق الذي أصبح علم مستقل بذاته وما أحوجنا كأشخاص أن نعرض أنفسنا على العلم ونتبع مساراته علنا نعبر الى شواطيء المعرفة .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى