يواجه الإنسان أحياناً في مراحله الحياتية كثير من الصعوبات التي تقف امامه وتضعه في موقف لا يستطيع تحقيق كل طموحاته ورغباته التي يتمناها مع نفسه ربما أحياناً الظروف الآنية أو القاهرة وربما أحياناً الظروف العامة وفي كلا الحالتين فإنه سوف يواجه موانع وعقبات كثيرة لا يستطيع بعدها الوصول إلى ما يريد تحقيقه في حياته…
نحن أبناء القرى والأرياف كنا نعيش بمحرومية تامة وصعبة وأحياناً نجد أن لقمة العيش والحصول عليها بحاجة الى جهد وتضحية ربما بمستقبلك الخاص من أجل ضمان مستقبل عائلتك…
وهكذا هي الحياة تستمر مع الجميع ولم يكن فيها فرداً واحد يعاني من هذه المعوقات بنفسه وانما تجد أحياناً مجتمعات كاملة وكل ابنائها يعانون من نفس المعاناة ويشربون من نفس كاس المرارة الذين يمرون به بسبب الجوع والحرمان..
هنا أحاول أن أكتب شيء قليل عن ما مررت به في هذه الحياة حيث أنني بدأت الكتابة منذ سبعينات القرن الماضي وشاركت في أول مؤتمر قطري في العراق للأدب والشعر والذي أقيم في حينها في محافظه ديالى وفي مدينه بعقوبة بالتحديد وكنت من ضمن ثلاث أشخاص ممثلين لفئة الشباب في محافظة نينوى وحظيت بتكريم خاص في هذا المؤتمر الشبابي.. ولكن الظروف القاسية وربما أحياناً بسبب القوانين في الحكومات المتعاقبة على العراق والتي تمنعك من التعبير عن رأيك وبكل حريه وهذا هو ما موجود في معظم أقطار الوطن العربي حيث إننا نعيش مع واقع ضيق جدا فاما ان تكون من المادحين والمارقين للسلطان أو حاشيته أو أن تبتعد عن الأدب بكل فروعه ومسمياته…
بعدها بدأت اكتب بعض الاسطر والعواميد وقد نشرتها في حينها وبأسماء مستعارة في مجلات عربية تعتبر عالمية الانتشار وكانت تصدر في العاصمة اللبنانية بيروت او في العاصمة الفرنسية باريس.. بعدها وبسبب الظروف التي مرت بها البلاد من حروب وغيرها توجهت للكتابة لنفسي فقط فأنا الكاتب وانا القارئ واستمريت على هذا المنوال الى أن أصبحت وسائل الإعلام أكثر توسعاً وعدداً والكتابة ممكنة بيد أي شخص يستطيع أن يكتب أو يعبر عن رأيه رغم القوانين التي ما زالت تقيد حرية الراي وما زال الخوف يسيطر على قلم الكاتب أو الشاعر في بعض الأحيان…
في كل مراحل كتاباتي كنت لا أرغب التقرب الى ما تسمى الجمعيات أو منظمات المجتمع المدني أو اتحادات وغيرها وما يمنحونه لنا من شهادات تقديرية وغيرها لأنني وبصراحه لا احب هكذا مجاملات تعطي التقييم عمومي ولا تختص بالتقييم الفردي ولذلك أنا من الأشخاص الذين لا يحملون اي هوية تتبع نقابة أو اتحاد معين وما زلت احتفظ باسمي فقط ولا أرغب في أن أكتب أي صفه أخرى قبل اسمي غير صفه الكاتب أحياناً…
حرمتني الظروف المعيشية وابعدتني عن الشهادة المدرسيه والالقاب العلمية والذي كنت اتمناه بكل وسيلو لأنني شخص يميل الى كل الجوانب الثقافية ويفرح عندما يرى اصدقائه او اقاربه او معارفه يحصلون على هذه الشهادة او اللقب العلمي…
وحتى لا اطيل عليكم كثيرا اليوم وصلتني شهادة كبيرة وهي عبارة عن اسطر وكلمات اعتبرها من اعظم وامتن الشهادات وارقى الشهادات العلمية لأنها صادره من شخصية تعتبر موسوعة ثقافية في منطقته السكنية..
إنه الأستاذ الكبير نايف عبوش والذي يعتبر من الأشخاص الأكاديميين الاوائل ومن الكفاءات العلمية في منطقة جنوب الموصل حيث إنه حصل على شهادة الماجستير في وقت وظرف كانت تلك المناطق بعيدة قليلاً عن العلوم المدنية…
اليوم وبعد أن نشرت قصيدتي الأخيرة وهي من الشعر الشعبي كتب لي هذه الأسطر والتي أنقلها لكم وحسب ما خطته الأيادي الكريمة من هذا الأستاذ الفاضل…
الأخ إبراهيم المحجوب السلام عليكم..
..قصيدتك الأخيرة في استذكارك الحال أيام زمان رائعة جداً..
الذي يحيرني موهبتك المتوهجة. كثيرون موهوبون لكنهم جامدون وعاجزون حتى عن الاسترسال في الكلام فما بالك بالنظم. كان يفترض أن تنمي الموهبة التي حباك بها الله تعالى بالاستمرار بالدراسة والتخصص في آداب اللغة العربية بالذات. إذ ربما ساعة ذاك كان يمكن أن يكون لك شأناً خاصاً وربما كنت ستكون علماً من أعلام الأدب والثقافة وقامة من قامات الشعر.. مثل شوقي والشابي والرصافي..إن لم تفوقهم ..فأين كنت يومذاك؟؟تحياتي لك وتقديري وإعجابي بموهبتك الزاخرة. مع تمنياتي لك بالصحة والعافية وراحة البال والعمر المديد إن شاء الله تعالى..
وكان جوابي له التالي:
أستاذي الفاضل
أنا أحد ضحايا الواقع الأليم في العراق.. تحاربت من قبل الفقر والحرمان.. إضافة الى اعتمادي على نفسي في الحياة منذ طفولتي يرافقها طيبة القلب التي أتعبتني كثيراً في حياتي وفوقها جميعا القوانين التي فرضتها علينا الحكومات المتعاقبة… فحرية التعبير وكما تعرف أستاذنا الفاضل في الوطن العربي شكلية فقط وأنا أكره التقرب إلى كرسي السلطان ومدحه وكانت المرحلة السابقة وكما تعرف لابد من المديح الفارغ للحاكم…
وأخيراً أستاذي العزيز….
هل تتصور أن لدي عدة مؤلفات جاهزة كتبتها على مدى الثمانية سنوات الأخيرة ولا أستطيع نشرها.. وحتى المؤلفات الذي تم نشرها فلم نحظى بدعم إعلامي واسع بسبب الجانب المادي مع الأسف..
فعاد الجواب لي:
ومن هنا جاءت نتاجاتك الإبداعية.. نظماً وكتابة وتأليفاً ، وليدة تلك المعاناة بل المأساة المرة.. ليكون عطاؤك مغمساً بتداعيات التجربة المريرة ..ومعطراً بنفحات الموهبة المتوهجة في نفس الوقت.. ليكون الكاتب والأديب والشاعر المتألق إبراهيم المحجوب.. ظاهرة إبداعية فريدة في الساحة الأدبية والثقافية الراهنة..