باحثون في أمريكا يستخدمون تقنية الـ “كيو.أر.كود” في دراسة النحل
سان فرانسيسكو-(د ب أ):
انتشرت في الأونة الأخيرة تكنولوجيا “رمز الاستجابة السريعة” المعروفة باسم “كيو.أر.كود”، وهي عبارة عن شفرة رقمية في صورة مجموعة من الرموز الشريطية التي تأخذ شكل مربع، ويمكن عند تصويرها بواسطة جهاز ماسح ضوئي متخصص أو بعض الهواتف الذكية أن تكشف مجموعة من المعلومات والبيانات التي تخص منتج أو سلعة معينة.
ونجحت شركات التكنولوجيا في تطويع هذه التقنية الحديثة في شتى مناحي الحياة، حيث ظهرت ملصقات تحتوي على رموز الاستجابة السريعة للكشف عن معلومات مختصرة تخص سلع معينة في المحال التجارية، أو لاستعراض قوائم الطعام في المطاعم، أو كرابط للدخول على المواقع الإلكترونية وغير ذلك من الاستخدامات. ولكن فريقا بحثيا أمريكيا متخصص في علم الحشرات توصل إلى استفادة جديدة من الكيو.أر كود، ألا وهي متابعة سلوكيات ودورة حياة النحل.
ففي عام 2010، اقترحت وزارة الزراعة الامريكية وضع ضوابط جديدة للتيقن من أن بعض المنتجات الزراعية مثل عسل النحل تستوفي شروط معينة بحيث يمكن وصفها باعتبارها “منتجات عضوية”، وكان من بين هذه الضوابط أن يكون العسل خالي من أي نسب من المواد الكيماوية أو المبيدات الحشرية. وعلاوة على ذلك، كان لا بد أن تكون المناطق المحيطة بالمناحل التي تنتج العسل العضوي نظيفة من الناحية البيئية وخالية من أي ملوثات. ونظرا لأن النحل في العادة يطير لمسافات تصل إلى عشرة كيلومترات حول الخلية ليجمع الرحيق الذي يصنع منه العسل، فقد كان متابعة النحل في هذه الرحلة الطويلة مهمة شاقة تتطلب قدرا كبيرا من الجهود اللوجستية من أجل الحصول في نهاية المطاف على شهادة “منتج عضوي”.
ورغم أن مقترح وزارة الزراعة الأمريكية باء بالفشل في نهاية المطاف بعد أن أعرب متخصصون عن اعتقادهم أن محاولة متابعة النحل لمسافة عشرة كيلومترات هو أمر مبالغ فيه، وجد علماء متخصصون في مجال الحشرات أنه من الممكن تطويع بعض الوسائل التكنولوجية الحديثة لدراسة سلوكيات النحل بشكل عام، مثل الحركات الراقصة التي يقوم بها أثناء الطيران لتوجيه أقرانه لأماكن جمع الرحيق، ودورة حياته في مراحلها المختلفة. وفي إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية HardwareX المتخصصة في الأبحاث التكنولوجية، قام باحثون من جامعة بين بولاية بنسلفانيا الامريكية بوضع ملصقات تحتوي على رموز استجابة سريعة على نحل العسل من أجل دراسة سلوكيات هذه الحشرة بشكل أوفى والتوصل إلى أفضل الوسائل للحفاظ على النحل وضمان سلامة المناحل وتنميتها على أفضل وجه.
وتقول الباحثة مارجريتا لوبيز أوريبي استاذ مساعد علم الحشرات في جامعة بين في بيان إن “الرقصات الاهتزازية التي يقوم بها النحل تعتبر أفضل مصدر لجمع البيانات بشأن عاداته الغذائية، ولكن هذه البيانات يتم جمعها في العادة من خلال ملاحظات بشرية لفترات لا تزيد عن ساعة يوميا على مدار أسبوعين أو ما إلى ذلك”، وأضافت في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني “بوبيولار ساينس” المتخصص في الأبحاث العلمية أنه “في مجال دراسة العلوم الحيوية، عادة ما نعتمد على النظر بالعين المجردة، ولكن عدد الملاحظات التي نقوم بها كبشر لا يرقى مطلقا إلى كم المعلومات التي يمكن الحصول عليها بالوسائل التكنولوجية”.
ومن هذا المنطلق، عمد الفريق البحثي بقيادة لوبيز أوريبي مع مجموعة من المهندسين المتخصصين إلى ابتكار منظومة جديدة تعمل بشكل آلي لتسجيل البيانات الخاصة بالنحل فترات مطولة. وتوضح لوبيز أوريبي: “كان الهدف هو فهم ما إذا كان نطاق عشرة كيلومترات حول الخلية هو مساحة دقيقة من ناحية العلوم الحيوية، ومعرفة ما إذا كان يمكن أن نحدد على وجه الدقة المسافة التي يقطعها النحل بعيد عن الخلية”.
واستخدم الباحثون وسائل تكنولوجية بسيطة رخيصة التكلفة من أجل ابتكار المنظومة المطلوبة التي كانت توضع فوق خلايا النحل في المناحل، ولم تكن مكونات المنظومة تزيد عن أجهزة كمبيوتر راسبر بي وبعض الكاميرات. واستخدام فريق الدراسة نوعية من الصمغ العضوي لتثبيت الملصقات التي تحتوي على رموز الاستجابة السريعة على ظهور النحل. وعلى غرار جهاز الماسح الضوئي الذي يفحص بطاقة الهوية لدى دخول بناية ما، كانت المنظومة ترصد حركة النحل لدى دخوله وخروجه من الخلية. وبلغت تكلفة هذه المنظومة نحو 1500 دولار لكل منحل.
وكان فريق الدراسة يزور ستة مناحل كل أسبوعين خلال فصلي الربيع والصيف، ويضع ملصقات على نحو 600 نحلة في كل مرة. وفي نهاية الدراسة، كان الفريق قد لصق رموز استجابة سريعة على أكثر من 32 ألف نحلة بشكل إجمالي. ومن أجل التيقن من سلامة النحل وأفراد الفريق، كان الباحثون يختارون النحل صغير السن الذي لا يستطيع أن يلدغ، وكان يتم تسجيل توقيت خروج وعودة النحلة إلى الخلية مع تحديد الوقت والتاريخ ودرجة الحرارة في الخارج.
وتأكد للباحثين خلال الدراسة أن معظم رحلات النحل خارج الخلية تدوم عدة دقائق، وأن 34% من النحل يخرج في رحلات تستغرق حوالي ساعتين، وأن بعض النحل لا يعود مطلقا إلى الخلية مرة أخرى. وتبين أيضا أن المسافة التي يقطعها النحل تتوقف عادة على أماكن الزهور ومدى توافرها، غير أنهم لم يستطيعوا تحديد مدى تأثير هذه المسافات التي يقطعها النحل على أعمارها.
ويقول روبين أندروود أحد أعضاء فريق الدراسة لموقع بوبيولار ساينس: “لقد وجدنا أن النحل يستمر في جمع الرحيق لفترات من حياته أطول مما كان يعتقد من قبل”، وأوضح: “رغم أنه كان من المعتقد على نطاق واسع أن دورة حياة النحل تستمر حوالي 28 يوما فقط، فقد وجدنا بعض حشرات النحل تستمر في جمع الرحيق لمدة ستة أسابيع، وأنها لا تبدأ في جمع الرحيق إلا وهي عمر أسبوعين، وبالتالي فالحشرة تعيش أطول مما كنا نظن”.
ويرى الباحثون أن تطويع تكنولوجيا رمز الاستجابة السريع قد تفسح المجال أمام علماء الأحياء لدراسة الانظمة الحية بأساليب لم تكن متاحة من قبل، وكذلك في بعض المجالات المتخصصة مثل انتاج العسل العضوي على سبيل المثال”.