تأثير زيارة الرئيس ترامب على أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
بقلم : ياسر الرواشدة – رئيس قسم التداولات العالمية لدى ساكسو بنك
في أول زيارة رسمية له إلى المنطقة، يُظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب حجم الأهمية الاستراتيجية التي تحظى بها دول الخليج في السنوات القادمة. فالمنطقة تلعب اليوم أدواراً محورية كوسيط بين الولايات المتحدة وإيران، وكذلك في الملفات المتعلقة بسوريا، وغزة، والنزاع بين روسيا وأوكرانيا. وفي حال تحقيق بعض أو جميع أهداف هذه الزيارة، فإن النتائج المرجوة ستكون إيجابية بشكل كبير لدول المنطقة.
فرص اقتصادية من بوابة الجغرافيا السياسية
يتمثل أحد الملفات المفصلية في إمكانية رفع العقوبات عن سوريا، وهو تطور من شأنه تحفيز تدفقات استثمارية ضخمة لإعادة الإعمار، وخلق فرص عمل لا تقتصر على الداخل السوري، بل تمتد عبر سلسلة الإمدادات إلى دول الجوار. كما أن التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران سيوفّر مزيداً من الاستقرار في الإقليم، ويفتح المجال أمام تعاون اقتصادي أوسع بين القوى المؤثرة في المنطقة.
كذلك، فإن احتمال إلغاء الرسوم الجمركية بنسبة 10% على صادرات الألمنيوم والفولاذ، وإن كانت صغيرة نسبياً في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها قد تخفّض التكاليف على المصدرين في الخليج، وهو ما يعزز القدرة التنافسية للمنطقة.
انعكاسات على فئات الأصول والأسواق
من الطبيعي أن تتأثر أسواق الأصول المختلفة – مثل الأسهم والعملات والسلع والسندات – بزيارة ترمب، خصوصاً أن أسواق الخليج مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمزاج المخاطرة في الولايات المتحدة. إن الابتعاد عن خطابات الحمائية التجارية والتركيز على إمكانية التوصل إلى صفقات فعلية، يعزز من المعنويات الإيجابية في الأسواق العالمية.
بالنسبة لأسواق النفط، يُعرف عن ترمب دعمه لأسعار منخفضة، وربما يكون النطاق بين 55 إلى 65 دولاراً للبرميل هو المستوى المفضل له، ما لم تطرأ توترات جيوسياسية أو اضطرابات في الإمدادات. وإذا تم التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران، فإن ذلك قد يُثبّت الأسعار في هذا النطاق، أو حتى يدفعها للانخفاض مع عودة إمدادات إضافية إلى السوق من قبل “أوبك+”.
أما الذهب، الذي تراجع مؤخراً لأسباب عدة، فقد يفقد جزءاً من علاوته السعرية المرتبطة بالمخاطر في حال نجاح الصفقة مع إيران. ومع توجه البنوك المركزية نحو خفض أسعار الفائدة، واستمرار التحوّل من الدولار كعملة احتياطية، إلى جانب رغبة الحكومة الأميركية في خفض قيمة الدولار لدعم الصادرات، قد يحافظ الذهب على بعض بريقه، وإن كانت الزخم أقل.
تتأثر أسواق الأسهم في الخليج، كعادتها، بالأسواق الأميركية. وإذا أسفرت الزيارة عن توقيع صفقات كبيرة – كما تم الإعلان عن بعضها – فإن ذلك قد يشكل دعماً إضافياً للأسهم التقنية الأميركية التي شهدت تقلبات مطلع أبريل. كما أن رفع العقوبات عن سوريا، في حال تحققه، سيكون بمثابة دفعة ضخمة للشركات الإقليمية المشاركة في جهود إعادة الإعمار بعد حرب دامت 14 عاماً.
العُملات والسياسات النقدية
ونظراً لارتباط معظم عملات الخليج بالدولار الأميركي، فإن أثر هذه الزيارة يعتمد إلى حد كبير على اتجاه العملة الأميركية. وإذا ما استمرت الإدارة الأميركية الحالية في اتباع سياسة تستهدف إضعاف الدولار لدعم التصنيع والصادرات، فإن ذلك سينعكس بدوره على القوة الشرائية في الخليج، وعلى تكاليف الاستيراد وأسعار الفائدة.
آفاق الشراكة الاقتصادية بين الإمارات والولايات المتحدة
أبرز التحولات يمكن ملاحظتها في قطاع التكنولوجيا، حيث تسعى الإمارات، إلى جانب السعودية وقطر، إلى لعب أدوار قيادية كمراكز إقليمية للذكاء الاصطناعي. وتمتلك هذه الدول الموارد المالية والطاقة المطلوبة لتحقيق هذه الطموحات، الأمر الذي قد يخلق وظائف على امتداد سلسلة القيمة – من التعليم والتدريب الجامعي، إلى بناء مراكز البيانات، ووصولاً إلى الأدوار التقنية المتخصصة.
وإذا ما تُوّجت هذه الزيارة بخطوات فعلية – مثل إلغاء الرسوم الجمركية على واردات الألمنيوم والفولاذ – فإن ذلك سيترجم إلى تخفيض في التكاليف، وتعزيز للروابط التجارية بين الجانبين.
نظرة مستقبلية: هل تفتح الزيارة بوابة للصفقات الكبرى؟
لا تزال قضية الرسوم الجمركية تهيمن على المشهد وتشكّل مصدر قلق عالمي. ومع ذلك، فإن التقدّم المُحرَز مؤخراً – مثل تعليق بعض الرسوم على الصين لمدة 90 يوماً – يظهر أن المسارات التفاوضية لا تزال ممكنة. والرسالة الأهم التي تحملها زيارة ترمب إلى الإمارات هي أن الاتفاقات قابلة للتحقيق، وأنها قد تكون خطوة أولى نحو صفقات أكبر تشمل دول الخليج ومجموعات اقتصادية عالمية أخرى تتابع المشهد عن كثب، وتبحث عن فرص للمشاركة في رؤية التحول القادمة من المنطقة.