ميلان تحتفي بـ “مهرجان اللغة والثقافة العربية” بمشاركة أدباء وباحثين من 18 دولة
الفعاليات برعاية “الشارقة للكتاب”..وتحت شعار “اللسان المهاجر: اللغة العربية بلا حدود”.
أحمد العامري: الحضارة لا تُبنى بلغة ولا بجغرافيا واحدة بل هي منجز تتناقل الشعوب أدواته وتغذيه بلغاتها وتجدد حيويته بعقولها
وائل فاروق: نقف على أعتاب تحول في العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية تلعب العربية دوراً مركزياً فيها
ميلان – الوحدة:
تحت رعاية هيئة الشارقة للكتاب، تحتفي مدينة ميلان الإيطالية باللغة العربية وتاريخ نتاجها المعرفي والإبداعي، حيث تقام على مدار أربعة أيام فعاليات الدورة الثامنة من المهرجان الدولي للغة والثقافة العربية، مستضيفة 30 باحثاً وأكاديمياً ونخبة من الأدباء العرب في المهجر من 18 دولة، تحت شعار “اللسان المهاجر: اللغة العربية بلا حدود”.
وانطلقت فعاليات المهرجان، الذي ينظمه معهد الثقافة العربية في الجامعة الكاثوليكية للقلب المقدس بميلان، وبالتعاون مع مركز أبحاث اللغة العربية، بحضور ومشاركة كل من سعادة أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، والأستاذ الدكتور جيوفاني غوبر، عميد كلية العلوم اللغوية والأدب الأجنبي في الجامعة الكاثوليكية، والأستاذ الدكتور وائل فاروق، مدير معهد الثقافة العربية، والمنسق العلمي للحدث.
ويستضيف المهرجان أعلام الأدب والثقافة العربية في المهجر، منهم الكاتب الليبي إبراهيم الكوني، ومن العراق الكاتب سنان أنطون، والروائية إنعام كجه جي، ومن مصر الكاتب عزت القمحاوي، والروائية مي التلمساني، إضافة إلى الكاتب اليمني علي المقري.
ومن خبراء اللغويات وتعليم العربية، يشارك في المهرجان كل من الدكتور امحمد صافي المستغانمي، الأمين العام لمجمع اللغة العربية في الشارقة، وزينب طه من الجامعة الأمريكية بالقاهرة؛ ومخرجون وكتّاب مسرحيون من بينهم أحمد فوزي صالح وصالح زمانان، إلى جانب نقاد أدب وأكاديميين مثل فرانشيسكا كوراو وصبحي حديدي.
وعاء حضاري وجسر للتفاهم
وفي كلمته خلال حفل الافتتاح، نقل سعادة أحمد بن ركاض العامري، الرئيس التنفيذي لهيئة الشارقة للكتاب، للمشاركين تحية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وأكد أن “شعار هذا المهرجان (اللسان المهاجر: اللغة العربية بلا حدود) يلخّص رحلةً عمرها قرون، لغة كانت معطاءة، كريمة، وفيّة لمن أخذت عنهم، ومساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، حين حملت المعارف والعلوم من الشرق إلى الغرب، ومن أطراف الجزيرة العربية إلى قلب أوروبا”.
وقال العامري: “ونحن نلتقي اليوم، نستحضر تلك الرحلة التي بدأت قبل أكثر من ألف عام، حين قصد الطبيب قسطنطين الإفريقي إيطاليا حاملاً معه كتباً طبية باللغة العربية، لتبدأ بذلك مرحلة جديدة فتحت فيها العربية أبواب علومٍ لم تكن معروفة بعد. ومن تلك الرحلة إلى لحظتنا هذه، ظل التفاعل مستمراً، متجسداً في رؤى وجهود صاحب السمو حاكم الشارقة، صاحب الرؤية والريادة، الذي لطالما أكد أن اللغة ليست أداة تواصل فحسب، بل هي وعاء حضاري وجسرٌ يعبر بنا من التباعد إلى التفاهم، ومن العزلة إلى الحوار”.
وأضاف: “لم يكن دعم اللغة العربية في مشروع سموه فعلاً طارئًا، بل إيماناً رساخاً، ومن هذا الإيمان ولدت مبادرات ثقافية متواصلة، دعمًا للعربية، وانفتاحًا على العالم، وما رعاية هيئة الشارقة للكتاب لهذا المهرجان إلا ثمرة من ثمار تلك الرؤية؛ فنحن في الشارقة نؤمن أن الحضارة لا تُبنى بلغة واحدة ولا بجغرافيا واحدة، بل هي منجز إنساني تراكمي تتناقل الشعوب أدواته، وتغذيه بلغاتها، وتجدد حيويته بعقولها”.
تحول جديد في العلاقات الثقافية
من جانبه قال الدكتور وائل فاروق مدير المهرجان: “نحن أمام (خروج) جديد للغة العربية من حدودها الجغرافية والثقافية يستحق أن ندرسه ونتأمله ونستشرف مستقبله، لذلك فتح معهد الثقافة العربية هذا العام فضاء مؤتمره لنخبة ممتازة من المثقفين والأكاديميين العرب والغربيين لدراسة هذه الظاهرة الجديدة”.
وأضاف: “في العقدين الأخيرين، ومع الهجرات الواسعة من العالم العربي باتجاه الغرب، أصبحنا نقف على أعتاب تحول جديد في العلاقة بين الثقافتين العربية والغربية، حيث تلعب اللغة العربية وأدبها دوراً مركزياً فيها؛ فبجانب ملايين المهاجرين الذين أصبحوا من أصحاب اللسانين، هناك عدد كبير من المبدعين والأدباء العرب الذين انتقلوا للحياة في الغرب، يكتب عدد لا بأس به منهم إبداعه بلغة من اللغات الأوروبية، لتتشكل تجربة جديدة من أدب المهجر التي تميزت بها بدايات القرن الماضي، ويتزامن مع ذلك اتساع كبير في تدريس اللغة العربية المعاصرة، ودراسة أدبها الحديث والمعاصر في الجامعات الغربية”.
ويتطلع المهرجان في دورته الثامنة إلى استكشاف حضور اللغة والثقافة العربية في السياقات الغربية، وتعزيز فهمها وتفاعلها في بيئات جديدة، من خلال محورين رئيسين: الأول يتناول قضايا تدريس اللغة العربية للناطقين بغيرها، مع التركيز على تطوير مناهج النحو والصرف والبلاغة بما يواكب متطلبات تعلّم العربية في المجتمعات الغربية. فيما يركّز المحور الثاني على الأدب العربي المعاصر في بلدان المهجر، عبر شهادات وقراءات نقدية لأعمال كتّاب عرب مقيمين في الغرب، ومناقشة قضايا الترجمة، وتلقي النص العربي بلغات أخرى، وعلاقته بهويات الكتّاب واندماجهم الثقافي والاجتماعي.
ويتضمن المهرجان برنامجاً حافلاً من الجلسات الحوارية التي يناقش فيها كبار الضيوف من كتّاب وباحثين موضوعات تتصل بمحوري الدورة الثامنة، بما يعكس ثراء التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب. كما يشهد تنظيم فعاليات فنية وثقافية متنوعة، ومعارض للفنون البصرية، إلى جانب فقرات موسيقية وشعرية، ويُختتم بحفل موسيقي تقدّمه جوقة طلاب اللغة العربية في الجامعة الكاثوليكية، احتفاءً بروح اللغة وتلاقي الثقافات.