بقلم الدكتور / عبد الرحيم إبراهيم عبد الواحد:
أستانا – بينما يتجه المستثمرون العالميون نحو أسواق أكثر استقراراً واستدامة واستراتيجية، تبرز كازاخستان كخيار استثماري متقدم وسريع النمو. بفضل اقتصاد ناضج، وإصلاحات مدروسة، واستراتيجية تنويع طموحة، تضع الدولة نفسها على طريق جذب 150 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة بحلول عام 2029، بالتوازي مع هدف مزدوج يتمثل في مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي.
ويمكننا القول بأن كازاخستان لا تكتفي بفتح أبوابها للاستثمار، بل تؤسس لاقتصاد مستقبلي متنوع، رقمي، ومستدام. ومع مشاريع استثمارية نشطة، وحوافز مالية وقانونية، وبنية تحتية رقمية متطورة، تُثبت كازاخستان أنها الوجهة الاستثمارية العالمية الأبرز التي يجب مراقبتها عن كثب في عام 2025.
كما تعتبر كازاخستان وجهة استثمارية واعدة للعديد من الأسباب، بما في ذلك ثرواتها الطبيعية الوفيرة، واقتصادها المتنامي، والاستقرار السياسي، والجهود المبذولة لجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث تقدم فرصًا استثمارية في قطاعات متنوعة، مثل النفط والغاز، والتعدين، والزراعة، والبنية التحتية، والتصنيع.
من الاعتماد على النفط إلى تنمية شاملة
على مدار السنوات الماضية، نجحت كازاخستان في تقليل اعتمادها على النفط والغاز، وتوسيع قاعدتها الاقتصادية بشكل ملموس. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.4% خلال الأشهر الإحدى عشرة الأولى من عام 2024، وجاء أكثر من 70% من هذا النمو من قطاعات غير نفطية مثل الصناعة والتجارة والزراعة والبناء. كما ارتفع إنتاج السلع المحلية بنسبة 5%، وقطاع الخدمات بنسبة 4.5%.
إضافة إلى ذلك، ساهمت الإجراءات الحكومية في تعزيز دور المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي وصلت مساهمتها في الاقتصاد إلى 38.2%، مع أكثر من مليوني منشأة نشطة حتى ديسمبر 2024.
ويمثل برنامج الخصخصة، الذي يشمل أكثر من 675 شركة عامة وشبه عامة خلال الفترة من 2021 إلى 2025، خطوة استراتيجية لخفض دور الدولة وتعزيز الكفاءة السوقية.
تدفق استثماري 16.3 مليار دولار خلال 10 أشهر
شهدت كازاخستان خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024 تدفقاً ضخماً للاستثمارات الأجنبية المباشرة بلغ 16.3 مليار دولار، مما أدى إلى إطلاق 49 مشروعًا جديدًا وتوفير أكثر من 17,800 فرصة عمل. وتتركز اهتمامات المستثمرين في مجالات الطاقة، والنقل واللوجستيات، والمعادن، والطاقة المتجددة.
ومن بين أبرز المستثمرين: قطر (11 مليار دولار)، إلى جانب الصين، وألمانيا، وتركيا، وأستراليا، التي تنفذ مشاريع ضخمة في مجالات البنية التحتية، والمصانع، وتقنيات الطاقة.
كازاخ إنفست: شريك استراتيجي للمستثمرين
تلعب شركة “كازاخ إنفست” دوراً محورياً في تيسير الاستثمار وجذب المستثمرين الأجانب. ففي عام 2024 وحده، دعمت:
* تنفيذ 45 مشروعاً بمشاركة مستثمرين أجانب، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 1.2 مليار دولار، مع توفير أكثر من 6,000 وظيفة.
* إعداد 73 مقترحاً استثمارياً وفقاً للمعايير الدولية.
* تطوير 30 مشروعاً ضمن استراتيجية استهداف قطاعات محددة تشمل الكيمياء الكربونية، ومعالجة الحبوب المتقدمة، والبتروكيماويات، وصناعة معدات النفط والغاز.
* معالجة 2,357 استفساراً استثمارياً عبر نظام إلكتروني حديث لضمان الشفافية في جميع مراحل المشروع.
كما توفر كازاخ إنفست خدمات “النافذة الواحدة”، مما يسهل على المستثمرين الحصول على التراخيص والدعم الحكومي والشراكات المحلية.
تحول رقمي كامل في إدارة الاستثمار
في إطار تحسين بيئة الأعمال، أطلقت كازاخستان المنصة الرقمية الوطنية للاستثمار التي تدمج جميع الهيئات الحكومية في نظام إلكتروني موحد، مما يسهل التواصل المباشر، ويسرّع في عمليات الموافقات، ويعزز متابعة تنفيذ المشاريع في الوقت الفعلي.
حوافز تشريعية وضريبية جاذبة لرؤوس الأموال
تقدم الحكومة الكازاخستانية حزمة حوافز متكاملة للمستثمرين الأجانب تشمل:
* إعفاءات ضريبية لمدة 10 سنوات في القطاعات ذات الأولوية.
* استرداد حتى 30% من رأس المال المستثمر في مشاريع مختارة.
* مناطق اقتصادية خاصة معفاة من ضرائب الدخل والعقارات والأراضي لمدة تصل إلى 25 عاماً.
* ضمان استقرار التشريعات الضريبية لمدة 10 سنوات وفقاً لاتفاقيات الاستثمار.
سياسياً، قامت كازاخستان بتقليص سلطات الرئيس وزيادة دور البرلمان المنتخب، ضمن رؤية لبناء “كازاخستان عادلة” تخدم المواطنين والمستثمرين على حد سواء.
اقتصاد أخضر واعد
تسير كازاخستان بثبات نحو تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2060، وتهدف إلى رفع نسبة الطاقة المتجددة إلى 15% بحلول عام 2030. ويوجد حالياً 148 محطة طاقة متجددة بقدرة إجمالية تبلغ 2.9 غيغاواط، مع خطط لإضافة 7 غيغاواط جديدة في السنوات المقبلة.
ثروات طبيعية هائلة وموقع جغرافي استراتيجي
تمتلك كازاخستان أكثر من 5,000 موقع للموارد الطبيعية غير المستغلة، تقدر قيمتها بأكثر من 46 تريليون دولار. كما أن موقعها الجغرافي على مفترق طرق بين أوروبا وآسيا يجعل منها مركزاً لوجستياً حيوياً.
إطار قانوني دولي وآمن للمستثمرين
تتمتع كازاخستان بنظام قانوني مدني، وهي عضو في اتفاقيات دولية رئيسية، منها اتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصة بتنفيذ قرارات التحكيم، مما يعزز حماية المستثمرين. كما يجري العمل على إصدار قانون ضريبي جديد سيبدأ سريانه في 1 يناير 2026.
مركز أستانا المالي: بوابة التمويل العالمي
منذ تأسيسه عام 2018، استقطب مركز أستانا المالي الدولي 11.9 مليار دولار من الاستثمارات، ويضم حالياً 2,800 شركة مسجلة، من بينها 143 شركة أوروبية. ويعتمد المركز على النظام القانوني البريطاني، مما يعزز الشفافية والثقة.