أخبار عربية ودولية

خطوط السيسي الحمراء في ليبيا.. التواجد التركي

بقلم:إبراهيم شير - كاتب وإعلامي سوري

 

 

كل شيء مهدد بالانفجار في إفريقيا، بعد أن رسم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الخطوط الحمراء التي لن تقبل بلاده تجاوزها في ليبيا.. القاهرة كانت على الدوام تراقب الوضع عن كثب في ليبيا خصوصا بعد إعلان الجيش الوطني بقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حفتر هجومه على طرابلس في الشهر الرابع من العام الماضي، بالإضافة إلى أنها كانت مؤيدة لحفتر لكنها لم تتدخل بشكل مباشر لأن النزاع كان بين الليبيين، حتى عندما تدخلت تركيا لصالح فايز السراج لم تتدخل مصر مباشرة ودعت إلى التهدئة بإعلان القاهرة، لكن أنقرة والسراج واجهوا هذا بتحشيد عسكري كبير هدفه مدينة سرت ما دفع السيسي ليؤكد أن الاستعداد القتالي صار أمرا حتميا في ظل حالة الاضطراب التي تسود المنطقة.

بعد تصريحات السيسي هذه خرجت العديد من التساؤلات حول أهمية سرت والجفرة لمصر؟ ولماذا هذا الاهتمام بها وهي تبعد نحو 941 كلم عن الحدود المصرية؟ بالإضافة إلى أن قوات الجيش الوطني بقيادة حفتر سيطرت عليها بداية العام الجاري، بالتالي هل أصبحت الآن مهمة لمصر وقبل سنوات لماذا لم تكن بهذه الأهمية؟.. الجواب بسيط جدا حيث أنها في الأعوام الماضية كانت بيد قوات ليبية حتى لو كانت على خلاف مع القاهرة لكنها ليبية أما الآن فستكون بيد قوات تركية أي أن التهديد التركي سيكون أقرب بكثير بالنسبة للقاهرة، وسرت تقع على الخط الدولي الذي يربطها بالحدود المصرية. إضافة إلى أن القاهرة غير مستعدة لأن تسمح بتسجيل تركيا انتصارا آخرا مهما في ليبيا فيجعل حليفها السراج متعنتا بالمفاوضات وقد يفشلها بسبب هذا التعنت، وهذا هو الخط الأحمر بالنسبة للقاهرة.

أطراف كثيرة تستبعد هذه المواجهة لكن ومن وجهة نظري فإن المواجهة قد تقع بأي وقت وذلك لعدة أسباب أبرزها (السيولة الدولية)، وأقصد فيها نفوذ الولايات المتحدة الذي بدأ بالتراجع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لعدة أسباب أبرزها بروز الصين كقطب عالمي بوجه القطب الأميركي وهو ما يجعل واشنطن تنسحب من بعض الملفات بهدف تعزيز تواجدها بأماكن أخرى لمواجهة بكين، وهذا الانسحاب يدفع الدول الإقليمية مثل تركيا للتحرك براحتها في المنطقة فتذهب إلى ليبيا لتدافع عن السراج، تراجع الدور الأميركي لصالح الدول الإقليمية عززته الانتخابات الأمريكية والاحتجاجات الأخيرة فيها.

ميزان القوى على الورق متقارب نوعا ما بين تركيا ومصر، لكن الأخيرة تمتلك عاملا مهمة وهو الأرض أي أنها تستطيع أن تحشد جيشها بسرعة كبيرة وأن تصل إلى القاعدة التركية في طرابلس خلال يوم واحد فقط، بالمقابل لا تستطيع أنقرة أن تحشد قواتها لمواجهة الجيش المصري لعدة أمور أهمها طريقة نقلهم من تركيا إلى ليبيا وذلك إلى جانب أن جيش أنقرة منتشر في الشمال السوري لدعم الجماعات المسلحة، وبالتالي لا تستطيع خوض حرب على أكثر من جبهة في وقت واحد.

أما ميزان التاريخ فهو يميل إلى مصر بكل تأكيد. بين عامي 1831 و1833 أعلنت الدولة العثمانية الحرب على مصر ونتائجها كانت بمثابة زلزال يضرب الدولة العثمانية حيث هزمت فيها شر هزيمة، وكاد إبراهيم باشا أن يسقط هذه الدولة بعد السيطرة على الشام. وبعدها بست سنوات شن العثمانيون حربهم ضد المصريين إلا أنهم هزموا ودمر الجيش العثماني بالكامل وكادت أن تسقط الدولة العثمانية وقتها أيضا لولا التدخل الأوروبي لإنقاذها. وبين عامين 1915 و1916 شن العثمانيون حملتين على مصر تمت تسميتهما بحملة ترعة السويس الأولى والثانية أو “السفربرلك” ومني العثمانيون فيهما بشر هزيمة أيضا، وكانت بداية لانهيار الدولة العثمانية.

تركيا تتخوف من هذه المواجهة بكل تأكيد لأنها تعلم أن ميزان القوة على الأرض أو ميزان التاريخ ليسوا معها أو بيدها، لذلك وجهت وسائل إعلامها والإعلاميين العرب لاسيما المصريين الذين تمولهم للتقليل من الجيش المصري ومن تصريحات الرئيس السيسي، وحاولت أن تصرف نظر العالم العربي عن ليبيا نحو إثيوبيا وسد النهضة وتساءل بعضهم لماذا السيسي ينتفض بوجه تركيا في ليبيا ويتجاهل سد النهضة؟

هذا التساؤل مشروع إن كان الملفان متشابهين، لكنهما على العكس لا يحملان ذرة تشابه. القاهرة في الملف الليبي تواصل منذ أشهر محاولة إثناء حكومة السراج عن جلب القوات التركية إلى البلاد، وبعد أن جلبتها طرحت مصر مبادرة لإنهاء الصراع، أي أنها فعلت كل ما تستطيع فعله لإنهاء التوتر سياسيا لكن السراج رفض كل ذلك. أما في ملف إثيوبيا فقد حولت مصر القضية إلى مجلس الأمن بهدف وضع المجتمع الدولي في صلب القضية، وتسعى لاستصدار إما توصيات من مجلس الأمن تحت الفصل السادس من أجل تعزيز موقفها دولياً والتحرك بناءً عليه، والاستناد إليه في السيناريوهات والخيارات القادمة التي يمكن للقاهرة اللجوء إليها، أو استصدار قرار ملزم ضمن الفصل السابع، الذي يعني العمل العسكري فيما بعد. والتوصيات التي تصدر عن مجلس الأمن، تريد مصر أن تكون واضحة ومحددة تؤكد على ضرورة عدم التصرف الانفرادي من خلال الملء الأول لسد النهضة، وهنا إذا رفضت إثيوبيا تنفيذ التوصية ولم يتحرك بعد ذلك مجلس الأمن تحت البند السابع في ظل تعريض الأمن والسلم للخطر، فإن مصر تملك الآليات العديدة للدفاع عن حقوقها المائية، أي أن القاهرة تعمل على كل الملفات في وقت واحد دون تبدية ملف على آخر.

الحروب دائما ما تكون سيئة على المجتمع لكنها قد تكون ضرورية لدرء مفسدة أكبر إن لم تقع، ومصر بقيادتها وجيشها تتعامل مع الملف الليبي كالعابر في حقل ألغام بالصحراء، إما أن ينجو أو أن تنفجر المنطقة ككل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى