نيويورك-(د ب أ):
يقدر الباحثون نسبة مرضى “كوفيد -19” الذين يعانون من فقدان جزئي أو كلي لحاسة الشم، بنحو أربعة من بين كل خمسة أفراد. وقد لا يعاني كثيرون من أي أعراض أخرى غير ذلك. كما أن هذا العرض لا علاقة له بانسداد الأنف، ولكنه مرتبط فقط بما يخلفه فيروس كورونا المستجد على الأنظمة العصبية في جسم الانسان.
وذكرت وكالة “بلومبرج” للانباء أن الكثير من المرضى يتعافون من فقدان حاسة الشم سريعا. بينما تقل القدرة على الشم لدى آخرين يصابون بما يسمى “نقص حاسة الشم”. فيما يتعرف آخرون على الروائح بصورة خاطئة، وهو ما يعرف باسم “خطل الشم” (أو /الباروسميا/).
فمثلا، فجأة تبدو رائحة الزوج كرائحة شخص غريب، أو تبدو رائحة النبيذ مثل الورق المقوى، ورائحة الصرف الصحي مثل القهوة. في الوقت نفسه، قد لا يستعيد بعض الناس حاسة الشم أبدا. ومن المؤكد أن عددهم في أنحاء العالم يقدر بالملايين.
وبحسب ما يكتشفه الكثيرون حول العالم في ظل تفشي وباء كورونا، فإن حاسة الشم كانت منذ فترة طويلة الحاسة الأكثر بخسا لدينا بين حواسنا الخمس، حيث إننا نوليها بشكل عام تقديرا أقل من الحواس الأربعة الأخرى. وقد يكون ذلك هو السبب وراء تخصيص قدر أقل من الأموال للبحث بشأنها. ونتيجة لذلك، فإننا لا نعرف عنها سوى القليل نسبيا.
ومن جانبها، تقول كلير هوبكنز، رئيسة الجمعية البريطانية لطب الأنف، إن “علم الشم”، مازال في مرحلة “العصر الحجري”، بمقارنته بعلم البصر أو السمع. إلا أنه من الممكن أن يتغير ذلك، ويرجع ذلك جزئيا بفضل الجهود التي تبذلها هوبكنز نفسها.
ففي شهر آذار/مارس الماضي، شاركت هوبكنز في تأليف تنبيه إخباري متواضع بعنوان “فقدان حاسة الشم كعلامة على الإصابة بـ /كوفيد -19/”. وسرعان ما غمرتها من جميع أنحاء العالم، ردود من أشخاص يبلغون فيها عن مواجهتهم لنفس الظاهرة. وبعد مرور أقل من عام على تأليف التنبيه، صار “الشم” أحد أهم القضايا في مجال الطب.
ومن الناحية العصبية، فإن حاسة الشم تعتبر أهم الحواس الأساسية لدينا، حيث أن إدراك الرائحة ينبعث من مستقبلات الأنف لدينا إلى أدمغتنا بصورة مباشرة، مما يثير تسجيل ذاكرة أو عاطفة ما على الفور، بحسب وكالة “بلومبرج”.
وعلى النقيض من ذلك، فإن كلا من البصر والسمع واللمس، يجب أن يمر بعدة خطوات إضافية متشابكة. وكذلك التذوق، إلا أن معظم إدراكنا لهذا الشعور هو في الواقع ناتج بصورة ثانوية عن الشم في المقام الأول. ومع ذلك، فإن الثراء الكبير لعالم الشم لدينا يعني أنه ليس هناك مفردات لوصفها بالقدر الكافِ.
ومع ذلك، فإن مجرد استنشاق نفس بسيط قد ينتج عنه استرجاع ذكريات دفينة منذ زمن طويل من الفرح أو الألم. وقد يكشف لنا ذلك ما إذا كان جهاز المناعة لدى شخص آخر مشابها لنا أو مختلف تماما – وفي هذه الحالة قد نشعر بالانجذاب الجنسي. إنه يلتقط الفيرومونات التي تثير الخوف أو العدوانية أو الحب أو الارتباط الحميم قبل وقت طويل من قيام دماغ الانسان بصياغة فكرة واحدة.
ولا يدرك البشر الدور القيادي لحاسة الشم في وجودنا البيولوجي والنفسي والعاطفي، إلا عندما يفقدونها. وللاسف، يتسبب ذلك الفقد في ترك فراغ كبير. ويعاني الكثير من المصابين بفقدان حاسة الشم من فقدان شهيتهم وثقتهم ورغبتهم الجنسية وصلاتهم الإنسانية أيضا. بينما يصاب البعض بالاكتئاب.
وتقول هوبكنز إنه من الممكن أن تكون الاصابة بـ “الباروسميا” اسوأ من فقدان حاسة الشم نفسها، لأنه يترك الناس غير مستقرين، وغير راسخين، ومبعدين.
من ناحية أخرى، تقول “بلومبرج” أن هناك حالة أخرى تأتي معاكسة لفقدان حاسة الشم، وتسمى “فرط حاسة الشم”، وهي موجودة أيضا. وقد يعني وجودها لدى السيدات في بعض الأحيان، وجود حمل. وفي أحيان أخرى قد تعني الاصابة بالصرع، وفي هذه الحالة غالبا ما يكون المصاب بها شخص محظوظ من الناحية الوراثية.
وقد كان هذا هو الحال مع جوي مايلن، وهي ممرضة متقاعدة تعيش في اسكتلندا. وتعتبر مايلن أقرب إلى الكلاب من البشر فيما يخص حاسة الشم لديها، لدرجة أنها يمكنها أن تشتم رائحة الأمراض. فبالنسبة لها، تعتبر رائحة مرض “الزهايمر” أشبه بـ “خبز الجاودار”، ورائحة مرض السكري مثل طلاء الأظافر، ورائحة مرض السرطان مثل رائحة الفطر.
وبفضل الوباء، صار الجميع يدركون حاليا أن الشم الصحي هو أمر جوهري بالنسبة لطبيعتنا، وضروري لرفاهيتنا.
وقد كان من النادر أن يحظى الأشخاص الذين يفقدون حاسة الشم قبل ظهور مرض “كوفيد -19″، باهتمام كبير من جانب الأطباء المعالجين لهم أو بتعاطف أحبائهم، وهو ما كان يزيد من حجم المعاناة، بحسب هوبكنز.