رواية في حضرتهم .. رسالة إلى الإنسانية والأجيال القادمة
تغطية: محمد عوض الجشي
رواية في حضرتهم رواية الى الإنسانية للروائية السودانية آن الصافي مشتركة مع الكاتب عبدالواحد ستيتو. وهي التجربة الأولى في الأدب التفاعلي، لرواية يشترك في كتابتها أكثر من كاتب. حيث دار حوار حار تفاعلي مع الكاتبة السودانية آن الصافي حول هذه التجربة ومقتطفات من لقاء أجري معها، عبر منصة ملتقى الأربعاء الأدبي ،بحضور الكاتب الإماراتي المتميز عضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات – فرع أبوظبي ونادي دبي للصحافة محمد شعيب الحمادي الذي يحرص بكل ود وحب على ملتقى الأربعاء لكافة الأعضاء ويقدم لهم يد العون والمساعدة في أريحية عطرة فواحة. نعم جرى اللقاء مع الأديبة مساء الاثنين 24 يناير 2022 على تطبيق الزووم. قدمتها لميس فضلون.
رواية في حضرتهم.. في حضرة الإنسانية
نعم تظل معطيات التقنيات الحديثة ترفل أدوات جديدة وتستخدم كمآثر في حياتنا ومسار المجتمعات. ولعل أهم أسباب كتابة الرواية هو أنني كنت مع الوالدة في مدينة عجمان وجاءت أخبار جائحة (كورونا) ومن ثم دخلنا في مرحلة التوجس والانتظار والحيرة. حينها شرعت مع الأستاذ عبد الواحد ستيتو في كتابة الرواية (في حضرتهم)، كل منا بالتوالي ينزل فصل يخصه من الرواية بصفحة خصصناها للرواية بالفيس بوك.
يعود ضمير الغائب في الرواية إلى حضرة الإنسانية جمعاء وفي حضرة الأرواح التي رحلت عنا وكانت ساكنة بين جوانحنا.. وفي كينونة الحياة والأجيال القادمة . ولكي تستمر الحياة علينا أن نلجأ إلى العلم نتلقى ونفهم ونقدر العلم حتى وإن كانت هناك إخفاقات علينا أن نحاول، حتى نصدر المنجزات التي تظهر القيم الثقافية العريقة ومن ثَم توظيف العلم بما يخدم الفرد والمجتمع.
بين أتمتة الإنسان وأنسنة الآلة
أنسنة الآلة أصبح الشغل الشاغل للإنسان، حين توفر عقول صناعية يجب أن لا نغيب العقل البشري، الآن وفي المستقبل علينا أن نمضى في هذا المسار. ربما في الدول التي اخترعت الكثير من أدوات العصر والحلول التقنية المبتكرة، نجدهم في عوالم الحداثة وما بعد الحداثة ومعطياتها وغياب الكثير من القيم الإنسانية المهمة، لديهم إشكاليات ومعاناة يتعرض لها الفرد والمجتمع معاً. بينما نحن في بلادنا في الغالب نستورد ونستهلك هذه التقنيات وقد فات عليهم أن لدينا موروث وقيم ومثل عليا نركن إليها وهي جزء أصيل من ثقافاتنا بتنوعها ودون شك لها تأثيرها في الفرد والمجتمع .
في إقليمنا أو دولنا، لدينا ماضَ عريق، ولدينا لغة ولهجات جميلة متنوعة، في كافة مجتمعاتنا العربية. إن أخذنا بكافة المعطيات ونحن من أنجبت حضاراتنا بتنوعها الثقافي، عظماء عبر التاريخ، فلم لا نهتم بالعمل على نقل ما هو أفضل لمجتمعاتنا ؟ من علوم وأدوات العصر. علينا أن نبني أرضية صلبة، تتسع لتحقيق أحلام وطموحات الأجيال الحالية والقادمة.
ومن خلال قراءاتي في الأدب العالمي وتاريخ الشعوب، يتضح أن المبدع والمفكر، يتحمل الكثير من المسؤولية تجاه القضايا الإنسانية. كيف لا ! وقد تخطينا والحمد لله وباء (كورونا) .
الثورة الصناعية الجديدة
حركة العلم والصناعة والابتكار مستمرة وأثرت ومازالت، مراحل مهمة في تاريخ البشرية بشكل ينم عن التوافق في كافة العصور، إن جاز التعبير الثورات الصناعية حتى وصلنا الى العصر الحديث في مجال الكمبيوتر وتوفر الإنترنت والتقنيات الذكية والثورة الصناعية الرابعة. الآن يمكن للآلة أن تصنع آلة، مثل جزيء صغير، النانوتكنولوجي، يستطيع أن ينتج جسم يطابقه من تلقاء نفسه، أعتقد نحن الآن بعد جائحة كورونا، انتقلنا إلى المرحلة التالية من مراحل الثورة الصناعية، أفضل أن اسميها الثورة الصناعية الجديدة. عبر ما يقدم من حلول ذكية، تصل إلى حد جعل الآلة تفكر وتتخذ القرار بمنأى عن الإنسان، وتنوع العملات الرقمية، وكيفية تصنيعها وآلية استخداماتها، ونشوء اقتصادات جديدة ما عارفتها البشرية من قبل منها اقتصاد البيانات الضخمة.
تغيرت حياة الإنسان عبر العصور عبر تواجد آلات وأدوات وحلول تخص كل حقبة. بالطبع يمكننا أن نستخدم كافة التقنيات الحديثة طالما أنها تخدمنا في شتى المجالات وننتفع بها. كما أننا في العصر الحالي يمكننا أن ننتقل من مكان إلى آخر بكل سهولة ويسر نختصر مجهود ووقت أكثر مما مضى في حقب تاريخية مضت. عدا ذلك، نستطيع السفر من الخرطوم إلى مكة في لحظات افتراضية عبر الحاسوب، والميتافيرس على سبيل المثال واستخداماتها بتنوع ويسر تدخل عوالم عدة منها، التعليم والطب والأعمال.
الكتابة للمستقبل
من أساسيات الكتابة للمستقبل، الاهتمام بالعلم وتوظيفه بشكل يخدم الإنسان والمجتمع ومتابعة عوالم التقنيات الحديثة وحلولها وآثارها على حياة البشرية ومسار المجتمعات. كثير من المواضيع والقضايا تنشأ من استخدامات أدوات العصر وهي مستمرة بتنوعها مع مرور الوقت ببساطة لأن هناك كل يوم بل في كل لحظة أدوات وحلول جديدة ومبتكرة أو معدلة. من ناحية أخرى في الكتابة للمستقبل يجب الاهتمام بقضايا البيئة والاستدامة وكذلك استدامة الثقافة. من مسؤولية الإنسان أن يهتم بالطبيعة والطاقات المختزنة ومصادرها للحفاظ على الكوكب، بل حتى على المنظومة الكونية، طالما قام باختراق عوالم الفضاء الخارجي. كذلك من أساسيات الكتابة للمستقبل، التركيز على قيمة التنوع الثقافي وكيفبة العمل والنظر على أن هذا التنوع مصدر لقوة المجتمعات ونبذ كل ما يسبب التفرقة والتمييز والعمل دوماً على بث روح التسامح وحماية الفرد والمجتمع.
اللي ماله أول ماله تالي
كما نهتم بأنفسنا علينا الاهتمام بالآخرين من حولنا، بتواصلنا نستطيع فهم معطيات حياة كل جيل وفهم قضاياه، بذلك تنشأ صور صريحة وواضحة لترابط الأجيال معاً.. وبالطبع ينتج عن ذلك، درجة من الوعي بقيمة ثقافة كل جيل، موروثات الماضي والحاضر، من ناحية أخرى نتمسك بثوابت ومقومات العصر ونبحث في كافة القضايا المعاصر ة بموضوعية وعملية مع الحفاظ على مقومات وتماسك الأسرة والمجتمع. هنا نستذكر مقولة عن الحفاظ على الماضي وقيمته للحاضر /مقولة للشيخ زايد، طيب الله ثراه “اللي ماله أول ماله تالي”.
الحياة امرأة
في الرواية لم نذكر أسماء الأبطال، فالعقل البشري يعمل لفهم معطيات مسائل القضية التي حملها النص وهذا لا يفرق بين رجل وامرأة. تري الراوية أن الماضي حاضر وهناك دعوة للحفاظ على ثقافة الوالدين وحملها للأجيال اللاحقة مع ترك المجال لكل جيل أن يأخذ ما يوافق عصره من أدوات مع الاهتمام بتكوين الأسرة والاعتناء دوماً بالجانب الإنساني.
كذلك حققت الرواية مقولة أن الحياة امرأة من السرد نرى اهتمام المرأة بالشخصية المحورية المشاركة وكذلك بالكائنات الحية من حولها والطبيعة والاستدامة وإيجاد مخارج لاستمرار الحياة.
الأسرة احتواء وأمان
لدينا في إقليمنا كلمة أسرة تختص بالمفهوم السائد، زوجين وأبناء وأقرباء في محور يشملهم معاً. في الغرب مفهوم الأسرة من الممكن أن يكون بذات الوصف، وأيضاً من الممكن أن يكون إنسان وحيوان أليف أو إنسان أو أسرة وشخص متبنى أو مجموعة من الأشخاص بأعمار متفاوتة تعيش معاً بشكل متفق عليه ومنظم ليس بالضرورة قرابة الدم، المهم دوماً مفهوم الأسرة هو الاحتواء والأمان .
في حضرتهم ، كتبت أثناء جائحة كوفيد19
الرواية تكلمت بطريقة غير مباشر عن الجائحة. على أرض الواقع، أصبحنا نتابع الأخبار، وكيف تتعامل المجتمعات في العالم مع ما يحدث والآثار الناجمة وكيف تعاطت الثقافات في كل مجتمع مع الجائحة، بالتأكيد ظهر جلياً من لديه نخوة ووعي بقيمة ذاته والآخرين من حوله. نماذج عدة أرتنا، كيف أن بعض القيادات تعاملت في هذه الأزمة العالمية تجاه شعوبها والشعوب في دول أخرى. أرى أن الجائحة أسهمت بشكل كبير في أنسنة المجتمعات والانتباه لفئات تطلب التكاتف معها بحس إنساني لم يسبق. لأول مرة في تاريخ البشرية، تمنى الإنسان المعافاة لنفسه وأهله وأحبته وحتى أعدائه، للتغلب على المرحلة وكسر الجائحة وعودة الحياة التي نعرف بأسرع وقت ممكن وبأقل ضرر.
العقل البشري هو محور القصة ومحركها
بطلة الرواية، الأنثى دائما حاضرة هي الأم في لحظة معينة وهي القائد المقدام وهي المخطط والمنفذ. بالنسبة لها القضية أكبر من مجرد لقاء رجل بامرأة، فأولوياتها الحياة على الكوكب بشكل مجمل. إنها تنظر إلى الحياة بكل معانيها ولهذا أصبح العقل البشري هو محور القصة ومحركها. كيفية استعادة الحياة على الكوكب الأزرق، مع توظيف أدوات العصر وإيجاد حلول متفردة ومبتكرة وآليات جديدة تحسب لإنسان المرحلة.
الغربة في النص حاضرة فالبطل سافر للتعليم، والبطلة مقيمة بغرض العمل مع أسرتها في مكان بعيداً عن موطنها الأصل. كما نعلم الإنسان يتنقل منذ القدم والحنين من طبعه. عني، أعيش في دولة الإمارات جل حياتي ولا أشعر بالغربة بمفهومها القاتم، حيث مارست حياتي مع الأسرة كما هي في السودان. من ناحية أخرى، مع معطيات عصرنا الحاضر من منا لا يشعر بالغربة؟!
” تداخل الأجناس في الرواية، إن تم بدون إقحام خادماً للغرض وقضية النص بسلاسة، فلم لا.”
أرى دوماً أن الشعر أكسجين اللغة، الذي يمرر اللغة على المتخيل، يجعلنا نحلق في عوالم نراها وقد لا نراها. مثلاً.. أكاديمية الشعر وفرت فرصة فريدة في تعلم الشعر الشعبي النبطي. مما دفعني لدراسة الشعر النبطي، ليس الرغبة في كتابته ولكن لفهمه والتعمق في معرفته، أجده يتمتع بمميزات بارعة في المتخيل وتوظيف المفردة والاحتفاء بثقافة غنية بالإضافة إلى الحكمة وجماليات متفردة. ففي حضرتهم، ورد نص شعري، مجملاً تداخل الأجناس في الرواية، بدون إقحام وانفعال. مجرداً من الابتذال.
ثقافة الروحانيات
ثقافاتنا عريقة وقوية ومشبعة بالروحانيات، لطالما وجد ذاك الرابط بين الإنسان والخالق، ومن ثقافتنا الأصيلة قيمة التسامح أيضاً. حين نستورد الآلة والحلول التقنية نستطيع توظيفها بشكل يوافق معطيات ثقافتنا دون إرباك لمعتقدات إنسان دولنا أي نستورد الآلة والحلول وليس ثقافة المصنع، إن كانت لا توافق ثقافاتنا. أقولها بجدية ومسؤولة عن كلمتي، أن الغرب ينظر إلى تجربتنا في استخدام أدوات العصر من تكنولوجيا وحلول ذكية مع المحافظة على ثقافاتنا والروحانيات التي تحفظ لنا جذورنا. الايمان والثقة واليقين إنها عقيدة تمجد الخالق. يجب توظيف الآلة لمصلحة الجميع، كي نلتقي مع أجيال جديدة لأجل حاضر ومستقبل مجتمعات تتسم بالتنافسية ومواكبة للرقي والتحضر ولكن بثوب لا يفقدنا جماليات ثقافتنا. وأخيراً يكفي القول أن الأديبة آن الصافي. تعتبر سفيرة أهل السودان. ..وهي أديبة من السودان، مقيمة بين مدينة أبو ظبي-دولة الإمارات العربية المتحدة وكندا..حاصلة على بكالوريوس هندسة كمبيوتر، محاضرة ومُدربة في مجال الإدارة والتنمية البشرية.. من خريجي أكاديمية الشعر بأبوظبي، الدفعة الخامسة.. منسقة ثقافية في إتحاد كتاب وأدباء الإمارات/ فرع أبو ظبي.. إعلامية، ومقدمة ومديرة لندوات وجلسات أدبية وفكرية وثقافية في الواقع الملموس والافتراضي عبر التطبيقات المتاحة لأكثر من 10 أعوام..
عضو في مؤسسة بحر الثقافة بمدينة أبوظبي..عملت في المكتب الإعلامي لمهرجان أبوظبي الدولي للسينما طوال سنواته.