مال وأعمال

نحو دور جديد ومتطور للغرف التجارية الخليجية والعربية

بقلم / د. عبد الرحيم الريح محمود

ظللت فى السنوات الاخيرة افكر فى حاجة الغرف التجارية فى المنطقة العربية والخليجية لان تؤدى دورا ايجابيا فى مساندة ودعم تطور وتحديث ممارسات القطاع الخاص , وان تكون اكثر تفاعلا مع واقع هذا القطاع بما يشمل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتى تشكل اكثر من 85% من عضوية كل غرفة وذلك بان تعمل على زيادة قدراته على التعامل مع الازمات والغييرات التى صارت متوالية . واخرها اثار جائحة كورنا التى خلفت اوضاعا صعبة تتطلب عونا ايجابيا من الغرف التجارية . بشتى الاساليب الوسائل الحديثة ومنها الرقمية وتوفير وتحديث المعلومات والدراسات والحلول العملية من جانب الغرف ومن جانب الجهات الحكومة من اجل استمرارية الاعمال .
ولكن الامر الجوهرى انه مع التحولات والقفزات فى الاقتصاد العالمى وقطاعات الاعمال وفى نظم الاتصال والمعلومات والتكنولوجيا الرقمية , حدث تغيير كبير فى دور وقدرات الغرف التجارية فى العالم و تغيرت نماذج ادارة الاعمال Business models ومفاهيمها ,وصار الدور التقليدى للغرف فى حاجة ماسة للتطوير الشامل, و من ضمن ذلك التغيير فى نهج التفكير و الهياكل والنظم . خاصة و ان العالم قد سار خطوات في التحول السريع نحو اقتصاديات المستقبل .
هذه الافكار التى ظلت تدور ذهنى منذ وقت تحدثت عنها مرات عديدة , الا ان الذى حفزنى حقا للكتابة هو متابعتى للمؤتمر الثانى عشر لغرف التجارة العالمية فى دبى 23-25—11—2021 و الذى هدف لاحداث تطوير فعال للغرف التجارية , واعادة تشكيل طريقة ممارسة الاعمال واستخدام الثورة الرقمية والتكنولوجيا المتطورة لايجاد منظومات وادوات جديدة للغرف التجارية تستفيد من وتستجيب للتغييرات التى حدثت فى الاعمال والنظام التجارى والاستثمارى العالمى . هذا المؤتمر حضره رؤساء الغرف التجارية من مختلف دول العالم.
وايضا حفزنى للكتابه اكثر مبادرة التطوير للغرف من قبل امارة دبى هذا العام 2022 بانشاء ثلاث غرف تجارية ( غرفة دبى العالمية وغرفة دبى للاقتصاد الرقمى وغرفة تجارة دبى ) وذلك كما ذكر من اجل تبنى ادوات جديدة وتحفيز للشركات الوطنية للتحول لشركات عالمية . وتقوية دور الغرف والقطاع الخاص فى التنمية والمسؤلية الاجتماعية والبيئية . المؤتمر للغرف مع التطور فى غرف دبى شكلا دافعا قويا لى لتناول افكار سابقة تدور حول الحاجة لتطوبر الغرف التجارية لتكون اكثر فعالية فى قيادة سبل دعم و توجيه القطاع الخاص للابتكار والاستجابة لتحديات بيئة الاقتصاد والاعمال الحديثة. واخراج الغرف الخليجية والعربية من التوقف عند الدور التقليدى , بينما الغرف العالمية لتتطور باستمرار نحو دور جديد و اوسع و اعظم اثرا وفائدة و استجابة للتحولات والقفزات العالمية فى الاعمال والاقتصاد الحديث.
و تعتبر الغرف التجارية والصناعية من اهم مظاهر الاقتصاد المتطور , وترجع جذور نشأتها الى قرون عديدة حيث كان التجار يجتمعون دوما لتنظيم علاقاتهم التجارية ومشاركاتهم .وسميت فى اروبا بمجالس التجار و هى مجالس منظمة للتجار بانتخاب لممثلين ورئاسة . وسميت فى المنطقة العربية ببيت التجار.
و برز اسم الغرفة التجارية لاول مرة عام 1599 فى مارسيليا بفرنسا , حيث كان للمجلس التجارى المنتخب قاعة مخصصة فى قاعات البلدية التى تسمى بالفرنسي chamber منه هنا انتشر الاسم غرفة التجارة للدول الاوروبية واخذت به الولايات المتحدة الامريكية.
وهنالك نوعان من الغرف غرف تكونها الدول بقانون وغرف يكونها القطاع الخاص ..الغرف التى تكونها الدول تكون العضوية فيها ملزمة للشركات مثال لذلك المانيا وفرنسا وهولندا ……الخ وهى غرف بعضوية شاملة وانشطة كثيرة ومتنوعة ورسوم ودعم مالى من الدولة , ويكون لها دور ايجابى فى تطبيق استراتيجية الاقتصاد الوطنى .اما الغرف التى يكونها القطاع الخاص ,فهى هيئات مستقلة محدودة العضوية والانشطة.
ومن اكبر مزايا الغرف التى تكونها الدولة ذات العضوية الملزمة ضرورة و فعالية دورها فى التنمية المستدامة وتطوير الاقتصاد الوطنى و دعم ومساندة رواد الاعمال والمشاريع الصغيرة والمتوسطة . ودعم الاستثمار الوطنى فى الصناعات المتقدمة , وتنمية الصادرات . ثم انها تعمل كمستشار للدولة حول التجارة والاستثمار. وذلك للاهمية العظيمة لدورها ا ولان القطاع الخاص هو قلب النشاط الاقتصادى والتجارى ومحرك النمو.
التطورات الحديثة فى الغرف فى العالم .
بالنمو الضخم و المتسع دوما و امتداد العلاقات التجارية والصناعية فى العالم وما سمى بالعولمة و تشابكها بين الدول جاءت اتحادات الغرف التجارية داخل الدول وخارجها . وظهر اتحاد الغرف االتجارية العالمى . فصارت بذلك الغرف منظومة عالمية متكاملة تعمل على تنظيم العلاقات التجارية والاستثمارية بين رجال الاعمال فى العالم. وجاءت بعد ذلك منظمة التجارة الدولية ًWTO , حيث لعبت الغرف التجارية دورا كبيرا فى مناقشة نظامها بالتعاون مع الجهات الحكومية و حدود التزام الدول ببنود الاتفاقية حسب الاوضاع الاقتصادية.
وبالقفزات الضخمة فى الاقتصاد العالمى نتيجة التقدم الهائل فى نظم المعلومات والاتصال والتكنولوجيا الحديثة و بما سمى بالاقتصاد الرقمى تضاعفت اهمية الغرف وتعاظم دورها , و لذلك غيرت اساليب العمل لديها فى العديد من الدول المتقدمة , التى وظفت الجهد الفنى , والعون الاحترافى للتحول الرقمى للغرف وللشركات والصناعات. وبذلك زادت علاقات الغرف بشبكات الاعمال العالمية. وبادرت دبى للتحول من الصورة المعهودة للغرف العربية.وكما ذكرت من اجل ان تعمل هذه الغرف على تعزيز دور دبى فى الاقتصاد العالمى والمحلى لدور اكثر اتساعا و حداثه وتقدما . دبى بادرت بذلك ففارقت الصورة النمطية لهياكل و ادارة الغرف , فكونت ثلاث غرف بدلا واحدة تعمل فى تناغم و بصورة اكثر حداثة و قدرات..
ان دور الغرف دور محورى فى الاقتصاد الوطنى اذا قام على تخطيط استراتيجى متقدم. فهى مع تطور دور الغرف فى العالم صارت حاضنة لزيادة قدرات القطاع الخاص للابداع والابتكار وتوليد الافكار الجديدة . و صارت الية ودافعة و مشجعة لمشاريع الشركات , خاصة الشركات الصغيرة والمتوسط والتى كما ذكر تشكل اكثر من85 % من عضوية الغرف. اذ ان هذه الشركات هى محرك اساسى فى الانشطة التجارية وتوسيع الاستثمارات. وتهتم بها كل الدول لانها تتطور لشركات كبيرة وعالمية. وتساعدها فى الترويج ودخول الاسواق.
بجانب خدماتها المتعددة وتسهيلاتها للشركات توفر الغرف اشراك فعال للقطاع الخاص فى التوجهات والخطط الاقتصادية . بل تمثل اهم عوامل نجاح هذه الخطط . كما توفر معلومات موثوق بها حول حركة التجارة والاستثمار .
دعم وتشجيع رواد الاعمال
توفير الدعم لرواد الاعمال والشركات الصغيرة والمتوسط من اهم ركائز الغرف التجارية المختلفة. وحتى الغرف التى تنشأ كهيئات خاصة مثل الغرف البيرطانية تضم هياكلها ادارت ووحدات لدعم هذه المشاريع وجميع الغرف توفر هذا الدعم باسماء مختلفة مثل ادارة تطوير الاعمال او ادارة تنمية الاعمال وغيرها .
التحول لاقتصاد الابتكار والابداع
النموذج العالمى الجديد للاعمال New Business Modelsاحدث تغييرات كبيرة فى المفاهيم القديمة لادارة الاعمال بدأ بالولايات الامريكية ثم الدول المتقدمة حيث تغيرت مفاهيم المنافسة وصار الابتكار والابداع والتجديد ركيزة لاستمرارية الاعمال والاستثمار والصناعة, وطبقت الشركات ال digital transformation والتسويق الالكترونى واستراتيجية المحيط الازرق وعشرات النماذج الجديدة فى تشريح الاعمال BUSINESS DIAGNOSIS. و شجعت الغرف ودعمت التغيير. وطورت قدراتها الفنية و الاقتصادية لمواكبة التحولات فى الشركات وبيئة الاعمال المحلية والعالمية. ووضعت رؤية جديدة ,وحدثت استراتيجية العمل لديها وطرق التفاعل مع احتياجات وتحديات القطاع الخاص. ومتابعة التطورات التى تؤثر سلبا او ايجابا على اداء الاعمال خاصة فى اوقات الازمات والتحديات , التى تحتاج لغرف تملك الحيوية و العطاء والاستجابه السريعة و الفاعلة . ذلك لانها مؤهلة بالدراسات الميدانية والتدريب النوعى الجديد والموجه والعملى و المتفاعل مع الواقع والتطورات.. وهذا امر صعب تحقيقه الا عبر قدرات و خبرات لديها معايشة للواقع و مؤهلة حقا. وبذلك تكون الغرف مقنعة و مفيدة عمليا للقطاع الخاص , وجاذبه بخدماتها ومبادراتها المتطورة بمقابل مالى او غيره . ان مشاركة القطاع الخاص وتفاعله واهتمامه بحضوره فعاليات الغرف مؤشر لنجاح الغرف نتيجة لما يحصل عليه من دراسات مفيدة , و وما يجد من تدريب عملى مفيد لتطوير قدراتة الادارية و ومهارات الابداع والابتكار لديه ذات الفائدة المطلوبه والمرغوبة وبالتالى مدرة للدخل للغرف . ان الاسلوب النمطى للغرف صار لا يجدى ولا ينفع بسبب بيئة الاعمال المتطورة الجديدة والمتغيرة و لا بد من رؤية و فكر جديد ومبادرات رائدة.

الاختلاف بين دور الغرف ودور الادارات الاقتصادية الحكومية

هنالك لبس كبير حول دور الغرف ودور ادارات الاقتصاد الحكومية , الذى يقع فى اطار الاقتصاد الكلى (macro economy) والذى يشمل الاستراتيجيات والخطط الاقتصادية والقوانين المنظمه وحركة ومؤشرات الاقتصاد……الخ . والغرف دورها ياتى فى الاقتصاد الجزئى Micro economy والذى يشمل حركة الاسواق والانشطة المختلفة لقطاعات الاقتصاد .وتعتبر الغرف مستشارا للجهات الحكومية عند اصدار القوانين التجارية والنظم والموجهات المتعلقة بالتجارة والصناعة والاقتصاد و اثارها, وفى كل ما يتعلق بالقطاع الخاص ويتكامل ادورهما فى الاقتصاد الكلى والجزئى. ويجب على الغرف ايصال متطلبات القطاع واحتياجاته للجهات الحكومية من اجل حل المشاكل وتقديم التسهيلات التى تساعده على اداء دوره الاساسى فى الاقتصاد الوطنى و مساهمته فى الناتج المحلى الاجمالى , باعتباره الاعظم فى المساهمة . فالقطاع الخاص هو ماكينة الاقتصاد الضخمة والمتنوعة التى تحرك جميع الانشطة الاقتصادية والاستثمارية , بل هو قاعدة لكل اقتصاد وطنى , واهم سبل كسب معيشة السكان. ان الغرف التجارية مكلفة بمسؤلية عظيمة ضمن استراتيجية الاقتصاد ولها دور كبير فى تطبيق الاستراتيجية فهى تمثل ركيزة اساسية بتوجيه القطاع الخاص ,ورعايته و زيادة كفاءته و قدراته فى ذلك.
بل يمكنها وضع خارطة طريق لمستقبل الاقتصاد والتجارة والاستثمار .عبر ادارة دراسات مؤهلة حقا , تعمل على توفير دراسات ميدانية عملية تهتم بمشاكل وتحديات الشركات عبر اسلوب جديد يستخدم المقابلات وحوار المجموعات والعصف الذهنى . ولا يجدى اسلوب الاعتماد على الشركات الاجنبية لتقوم بالدراسات النمطية المعهودة متدنبة الفائدة . بل لا بد ان تقوم الدراسات عبر قدرات محلية ذات علاقة وتجربة و دراية باوضاع وبيئة الاعمال والبيئة الاجتماعية والثقافية . فالشركات نظام اجتماعى واقتصادى يتاثر بطبيعة كل بلد وقيمها وتراثها فهى تختلف من بلد لاخر , وهذا يدرس لطلاب علم ادارة الاعمال فى الجامعات. كما تكون الدراسات موجة للتركيز على ايجاد حلول لمشاكل محددة, و تكون دراسات مباشرة ومبسطة بدون تعقيدات الجداول الكثيرة والرسومات التى تقدمها الشركات الاجنبية للترويج لقدرتها , اكثر من الحرص على الفائدة العملية خاصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ولابد ان يكون واضحا ان الغرف التجارية العالمية المتميزة تهتم بتطبيقات التنمية المستدامة , وتبادر بالمؤتمرات والتدريب و فرص الاستثمار فى مجالات البيئة الواسعة التى فيها فرص جديدة بلا حدود فهى مجال مفتوح للابداع والمبادرة بمشاريع متعددة . كما تهتم بالتطور فى التكنولوجيا.
نحو دور جديد ومتطور للغرف
بعد ازمة كرونا ولتى ضربت بقوة على الشركات جميعها وخاصة على الشركات الصغيرة والمتوسطة والتى واجهت خسائر اكثر وعجز عن الايفاء بالمستلزمات من اللايجار ومرتبات الموظفين . وخرج كثير منها من الاسواق, ومنها شركات مواطنة عديدة . بالاضافة للاوضاع الاقتصادية العالمية فى سلسلة التوريد والكساد. اضافة الى المستجدات المتوالية فى بيئة ادارة الاعمال المحلية والعالمية . ان الاثار التى خلفتها هذة الازمات والتحديات جعلت انه لابد من دور فاعل للغرف لمساندة اعضائها من الشركات الصغيرة و المتوسطة لتقديم برامج بالتعاون مع الجهات الحكومية الاخرى لاستمرارية الاعمال . والسعى لجلسات للتفاكر والحوار مع كل قطاع او نشاط للتوصل لحلول مناسبة . كما يمكن استخدام المشتريات الحكومية عبر برامج مخصصه لفتح الباب لايجاد فرص للشركات المحلية . وهناك مقترحات لدى عديدة يمكن تفصيلها عن البرامج العملية والمفيدة حقا يمكنى تقديمها بتفاصيلها كاملة لدعم حقيقى خاصة للشركات الوطنية.
يتبع للمقال الثانى المواضيع التالية:
• دور الغرف الهام فى تنمية الصناعة والصادرات الصناعية
• دورها فى تقوية العلاقات التجارية والاستثمارية مع دول العالم وتعزيز البلد فى الخارطة التجارية العالمية
• مع تغيير فكرة حاضنات الاعمال والمسرعات و دخول مرونة وتنوع يمكن للغرف ان تعمل كحاضنة للمشاريع
• نحو دور فاعل لاتحادات الغرف
• تقوية المساعدة فى التوجيه والاستشارات القانونية
• تبنى التدريب النوعى عالى المردود.
• توسع الاعمال business expansion ودخولها للعالمية ومنها نموذج الفرانشايز والشراكات الاستراتيجية و توسيع التشبيك الالكترونى networking
• دور الغرف مع مجالس الاعمال الاجنبية والغرف المشتركة بين الدول.
د. عبد الرحيم الريح محمود
(خبير فى الغرف التجارية)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى