أخبار الوطن

خليفة بن زايد آل نهيان: القائد والإنسان

بقلم / الدكتورة فاطمة محمد خميس

كنا في زيارة عائلية في مدينة العين حين أُعلن خبر وفاة سمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رحمه الله، وكان المشهد الأول هو توافد رجال العائلة المضيفة وشبابها تجاه صالة التلفاز للاطلاع على تفاصيل الخبر الجلل. أما في مجلس النساء فقد عمّ صمت عميق بين الحاضرات، ورغم تفاوت أجيالهن إلا أن صدى الذهول والألم من وقع الخبر تراءى واحداً. وسرعان ما تسابقت ألسنتهن بالدعاء للفقيد بأصوات خافتة راجية له المغفرة والرحمة. كان حزنهن نبيلا نُبل حضور الفقيد في هذه الدنيا، فقد عُرِف عن سمو الشيخ خليفة رحمه الله الهدوء وحب التأمل وقلة الحديث إلا الموزون منه. ولكن “إن كانت كلماته بمقدار إلا أن سخاء كفه كان بغير حدود”، هكذا وصفت إحدى الحاضرات كرمه بصوت يتهدج تحت وطأة الحزن.
ولا رثاء كرثاء كبار السن حين الفراق، فهو رثاء يستحضر الذكريات البعيدة التي لم تعشها الأجيال الشابة من أبناء الدولة لا سيما المرتبطة ببدايات الاتحاد وما قبلها بقليل، ذلك الزمن النقي الجميل. فكانت كلمات الجدة الحاضرة في المجلس ما بين الدعاء للفقيد وما بين حكايات عن صباه وعلاقته بأسرته وشعبه، قصص قصيرة لكنها عميقة ببساطتها التي تعكس الشخصية الإماراتية المعطاءة والودودة للقريب والبعيد. وتسترسل الجدة لتحكي قصصا عن الفقيد القائد والابن والأخ والوالد و”الإنسان”، وهي قصص تزخر بها ذاكرة جيلها ولا يملون من تكرارها بكل فخر ودفء والمرة تلو المرة. وليت هناك من يسارع إلى جمعها ومن ثم نشرها ليتعرف الناشئة على تميز قادتهم سلفاً بعد خلف، وليهتدوا بتميز العلاقة التي تجمع بين شعبهم وقادتهم.
وكمختصة في علوم القيادة وتحديداً ديناميكيات العلاقة بين القادة ورعاياهم فإن الفقيد رحمه الله من الندرة من القيادات التي تفتخر شعوبها بها إنسانياً وقيادياً على حد سواء، ويتجلى ذلك في رثاء شعبه له رحمه الله. وهذه علاقة فريدة ونادرة بين القادة ورعاياهم وربما ميزة تكاد تتفرد بها الثقافة العربية دونا عن غيرها من الثقافات. وقد يصعب تفسير مثل هذه العلاقة وفق نظريات القيادة الحديثة إلا أن الثقافة العربية وقيمها الإسلامية تعزوها إلى أن من القادة من هم من حظوظ الدنيا الطيبة التي ينعم الله بها على من يشاء من عباده، وللإمارات إرث ممتد بفضل الله من هذه الحظوظ. فاللهم أكرم مقام الشيخ خليفة بن زايد في دار الحق كما أكرم شعبه من جود خُلُقه وماله، وبارك في سلفه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم أبو ظبي واجعله بفضل منك ومنة خير خلف لخير سلف.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى