هل علينا ليلة الأثنين الأول من ديسمبر هلال جُمَادَى الآخِرَة ” اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ، وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ، وَالْإِسْلَامِ، وَجوار مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرِضْوَانٍ مِنَ الرَّحْمَنِ “وجُمَادَى الآخِرَة هو الشهر السادس من التقويم الهجري والشهور العربية كلها مذكرة إلا جُمادَى الأولى وجُمادى الآخرة فإنهما مؤنثتان ، ويخطئ من يسميه جمادى الثاني أو جمادى الثانية فلم يَرِدْ عن العرب قبل الإسلام أو بعده إلا جمادَى الآخرة ، وقد سُمّي الجماديان بهذا الاسم في عهد كلاب بن مرة الجد الخامس للرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، وذلك نحو عام 412م ، وتذكر الروايات أن السبب في تسمية هذا الشهر بهذا الاسم أنه اتَّفق عند تسميته ـ هو وجًمادى الأولى ـ أن الماء كان يتجمد فيهما من شِدَّة الصِّر؛ أي البرد القارس.
ومن العرب من كان يسمي فصل الشتاء كله جُمادى سواء اتفق أن جاء الشتاء فيها أو في غيرها ، ويبدو أن المناخ في فصل الشتاء كان شديد البرد في الوقت الذي كانت تحل فيه الجُماديان خاصة شمالي الجزيرة العربية، حتى أن الناس كانوا يموتون في زمهرير الشتاء ، وحدث أن أُمطرت بلاد تيماء بَرَدًا كالبيض في جمادى الأولى من سنة 226هـ فَقَتل منهم عددًا كبيرًا.
وكان العرب إذا قالوا جُمادى ستة يعنون به جمادى الآخرة وهي تمام ستة أشهر من أول السنة بعد (الصفران) محرم وصفر، و(الربيعان) ربيع الأول والآخر، وجُمادى الأولى ، والدليل على تأنيث الجماديَيْن.
عرف العرب أربع سلاسل من الأسماء للشهور العربية قبل أن تستقر على آخرها التي نستخدمها الآن ـ وذلك حوالي مطلع القرن الخامس الميلادي ، ولم يستخدموا هذه الأسماء في زمن واحد، ولا في مكان واحد ، فقد كان للعرب العاربة أسماء يطلقونها على الشهور وكذلك العرب المستعربة؛ فعلى سبيل المثال، كانت ثمود تسمي جُمادى الآخرة هَوْبَر، وكما ذكر ابن دريد في كتاب الوشاح أنهم كانوا يبتدئون شهورهم من (دَيْمر) وهو شهر رمضان .
ومن الأسماء التي أطلقت عليه قبل الإسلام بزمن طويل واستعملته العرب العاربة “زبّاء” والزباء تعني الداهية العظيمة ، وهو اسم المرأة التي قتلت جذيمة الأبرش، وانتقم منها عمرو بن عدي بحيلة من قصير، ويقول أبو الريحان البيروني في كتابه الآثار الباقية عن القرون الخالية: إن الزباء هي الداهية العظيمة المتكاثفة، وسمي هذا الشهر بهذا الاسم لكثرة القتال فيه وتكاثفه؛ لأنه شهر يسبق أحد الأشهر الحرم وهو الشهر الأصم “رجب” من أسمائه أيضا أمْنَح وأيِّدة ، ولما كان الجماديان شهري صقيع سميا شيبان وملْحان وذلك لابيضاض الأرض لما يكسوها من الثلج والصقيع ، واليوم الأشهب هو اليوم ذو الريح الشديدة الباردة لما فيه من الثلج والصقيع والبرد. وتسمى آخر ليلة من جمادى الآخرة الفَلتَة، كان العرب يغيرون فيها وإن كان هلال رجب قد طلع لأن تلك الساعة تعد من آخر جمادى الآخرة ما لم تغب الشمس.
من أهم الأحداث التي وقعت في هذا الشهر وفاة خليفة الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل أبي بكر الصديق رضي الله عنه مساء الثلاثاء 21 من جمادى الآخرة عام 13 هـ وعمره 63 سنة، ويومها بويع الخليفة الثاني الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أميرًا للمؤمنين، وبعد توليه الخلافة بخمسة أيام ، أي في 26 من جمادى الآخرة عزل الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه عن قيادة الجيش الفاتح للشام ، وفي يوم الأربعاء 20 جُمادى الآخرة من عام 17هـ، وضع التقويم الهجري المعمول به الآن ، وفي غرة جُمادى الآخرة يوم الجمعة بعد صلاة العصر من عام 20هـ فتحت الإسكندرية أبوابها لعمرو بن العاص رضي الله عنه ، وفي 15 منه عام 36هـ كانت وقعة الجمل في الخُرَيْبَة ، وفي 22 جُمادى الآخرة من عام 1344هـ نودي بعبد العزيز بن سعود ملكًا على الحجاز فأصبح لقبه ” ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها ” .
للتواصل :
Naqirak3@gmail.com