أخبار عربية ودولية

قانون قيصر.. محاولات سورية لتجاوزه

بقلم:إبراهيم شير

كاتب وإعلامي سوري

دخل اليوم قانون العقوبات الأميركي على سوريا والذي أطلق عليه اسم قيصر. هذا القانون بالإطار العام يستهدف مقومات الدولة السورية ومصادر دخلها وله تأثير سلبي وقاسي ومباشر على المواطن السوري وهذا ما يدفعنا للسؤال كيف تدعي الولايات المتحدة بإن هذا القانون هو “لحماية المواطن السوري” بينما على أرض الواقع القانون يستهدفه ويعمل على افقاره؟ فبعد نحو 10 سنوات من الحرب على سوريا وفقدان الولايات المتحدة لإي أمل في إسقاط الدولة السورية والرئيس بشار الأسد، لجأت في النهاية إلى عادتها وإسلوبها الدائم وهو فرض العقوبات.

قانون قيصر تم تهيئة الأرضية له منذ عام 2014 خصوصا عندما زل لسان الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وقال أن واشنطن تسعى إلى استمرار الحرب في سوريا حتى يتم إلهاء “النظام” فيها وتقوم الشريحة المؤيدة له بالتظاهر ضده. إي أن القانون لا يهدف لحماية المدنيين أبداً بل على العكس هو يعمل على تجويعهم من أجل استغلالهم لمصالحه وأهدافه. وما يؤكد هذا الأمر تصريح غير بيدروس المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، الذي أكد أن الوضع في البلاد يزداد سوءا وأن هناك خطر حدوث مجاعة خصوصا مع تفشي فيروس كورونا، وتوقف عجلة الاقتصاد في البلاد بعد أن توقفت في العالم ككل وهناك دول لا تعاني من حروب أو انقسامات باتت على وشك الأنهيار، فكيف سوريا التي تعاني ما تعانيه خلال هذه الحرب؟

الدولة السورية بإمكانها التأقلم مع قانون قيصر والتكيف معه بل والتغلب عليه. وأول ما قامت به الدولة السورية لمواجهة قيصر هو مكافحة الفساد وهو أمر بدأ منذ اكثر من 3 أعوام ولكن تم تعجيل المكافحة خلال الأشهر الماضية، وفعلا هذا الأمر انعكس ايجابيا على الشارع السوري فبعد أن وصل سعر صرف الدولار الى 3 ألاف ليرة سورية، قامت دمشق بإعادته الى 1800 فما دون وذلك خلال ساعات بعد اجراءات أمنية واقتصادية مهمة استهدفت المضاربين ورجال الأعمال والمسؤولين الفاسدين، وكانت هذه الخطوة مهمة وحساسة أيضاً في هذا الوقت ولكن يجب أن يتبعها خطوات أكبر وأهم لدعم الاستقرار في البلاد وتجاوز العقوبات.

من وجهة نظري خطوات دمشق لمواجهة العقوبات يجب أن تكون مبنية على استراتيجية طويلة الأمد وليس قصيرة لإن القانون من الممكن بعد انتهاءه أن تقوم واشنطن بتمديده، لذلك استراتيجية النفس الطويل وعض الأصابع هي الأفضل في الوقت الحالي. قد تكون الدولة السورية مجبرة في الوقت الحالي على إدارة القطع الأجنبي وعدم انفاق إي دولار إلا للضرورة القصوى وفي سياق الاستثمار بالزراعة والصناعة والدواء من الحلفاء والدول الصديقة لتأمين الحاجات الأساسية.

في نفس الوقت قد تتجه الدولة السورية إلى الاقتراض من الدول الحليفة والصديقة وتعزيز خط الائتمان بينهم بعد تقوية وضع الليرة السورية، ثم الحفاظ على هذه القروض وعدم صرفها لضمان قيمتها وتغطيتها. ثم من الضروري أن تلجأ دمشق إلى إدارة الاستيراد والتصدير بشكل كبير جدا، لإن هذا الملف تحديدا قد يعزز الاقتصاد وقد يجعله ينهار، فمن الضروري إدارة الملف بعقلية حديثة وديناميكية، ثم تفعيل الصناعة والزراعة بشكل موسع وأن لا يكون ذلك محدودا بمنطقة أو بنوع ودعم المجالين بشكل كبير من قبل الدولة، ثم التسويق بطريقة أفضل للمواطن.

من الضروري أن تستغل دمشق ثغرات قيصر وهي كتيرة بالمناسبة، أولها استثناء بعض المناطق السورية غير المشمولة بالحظر، مثل مناطق مليشيات قسد، ولدى الدولة السورية فيها مطار القامشلي اضافة إلى مناطق كبيرة تسيطر عليها هناك وهو ما يتيح لدمشق القضاء على القانون. بالإضافة إلى أن المناطق التي استأجرتها روسيا في سوريا مثل مرفأ طرطوس هي غير مشمولة بالعقوبات وموسكو حليف لدمشق.

الحلفاء التقليديون سيقومون بالتأكيد بدعم دمشق أكثر بمواجهة قيصر، فمن دعمها أكثر من 9 سنوات خلال الحرب لن يتخلى عنها الآن، ولكن هناك حليف آخر يريد دعم الدولة السورية وهو في عجلة من أمره لدخوله على خط الدعم وهو الصين.. حيث بكين تريد الدخول بشكل جدي إلى سوريا وتبحث عن الاستثمار فيها والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط أيضاُ.

قانون قيصر هو المحاولة الأخيرة لإسقاط دمشق، لكن سوريا ليست كوريا الشمالية أو فنزويلا لتسطيع واشنطن خنقها، فهي بمحيطها وباستراتيجية موقعها وقربها من حلفاءها وتنوعها الاقتصادي تستطيع التعايش والتغلب على قيصر وما يفعله الأن القانون هو محاولة لصدمة الشارع والتأثير عليه فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى