مرئيات

الفيلم الإماراتي “الكمين”

بقلم / د. فاطمة محمد خميس

“الكمين” فيلم حربي إماراتي مُتقن بامتياز، يروى بصياغة إنسانية عالية قصة حقيقية لمجموعة من الجنود الإماراتيين هبوا لنجدة زملاء لهم وقعوا في كمين نصبه الحوثيون في وادي جبلي في اليمن. الرؤية الإخراجية، والتأثيرات الصوتية والبصرية، والسيناريو والحوار، وأداء الممثلين، واختيار موقع التصوير، كل ذلك نجح في التعبير عن رؤية متكاملة تليق بأهمية أحداث الفيلم في التاريخ الإماراتي الحديث. وحرص المواطنون الإماراتيون على حضور الفيلم والتعليق عليه، وكان حضور المرأة الإماراتية لافتا رغم أن الأفلام الحربية تستهوي الرجال بشكل خاص. وتروي إحداهن أن حرصها على مشاهدة الفيلم ليس من باب الترفيه وإنّما للاطلاع على الأجواء الحقيقية التي عاشها الجنود الإماراتيون خلال مشاركتهم في حرب اليمن. فليس بالبعيد إذن أن تكون إحدى هؤلاء الحاضرات أما، أو أختا، أو ابنة لأحد الجنود الإماراتيين المشاركين، وما مشاهدة الفيلم إلا وسيلتها لتصور ما كانت تداريه مكالمات الاطمئنان القصيرة حينها مع أقربائهن.
ولقد نجح الفيلم في التعبير عن البعد الإنساني في الملحمة الإماراتية على أرض اليمن، فالإنسان حاضر رغم الأباتشي وجبروته جوا، ورغم المدرعات المجهزة بأحدث التقنيات أرضا. فرسالة الفيلم واضحة وصريحة بأن الإنسان الإماراتي مهم لقادة وطنه، ولقادته على أرض المعركة، ولجنوده ولزملائه في مواجهة العدو وأهوال الحرب والموت. وتنساب هذه الرسالة بسلاسة عبر المشاهد والحوار بين الممثلين دون أن تتعارض والإبهار البصري والتقني في الفيلم، ممّا يعزّز حقيقة البعد الإنساني الذي يزخر به المشهد الإماراتي في كافة مجالاته حربا وسلما. ولعل مناداة بعض الجنود لبعضهم بأسماء عائلاتهم دون أسمائهم الأولى كالصيعري، أو المزروعي، أو البلوشي، أو الزيودي، أو المسماري، أو الفلاسي، من أذكى أدوات الحوار في الفيلم. فالرسالة هنا أن أطياف الوطن كافة متواجدون على أرض المعركة، سواسية في مواجهة العدو والموت والخيانة، لم تفرقهم الألقاب بل زادت اتحادهم ثراء وألفة.
وفي ضوء هذا البعد الإنساني تتجلّى الرسالة الأقوى لفيلم “الكمين” وهو توثيق التاريخ الإماراتي المعاصر، وحفظُ التاريخ سجية إنسانية عابرة للأمم والحضارات وهي في حضارة العرب أكثر تأكيدا. فقد كان الشعر ملاذ العرب الأول لحفظ تاريخهم حتى أسعفتهم حظوظ المعرفة والعلوم فخطّوا تاريخهم في مدونات ضخمة. ويُحسن ابن قتيبة وصف ذلك في كتابه “عيون الأخبار” قائلا: ” الشعر معدن علم العرب، وسِفر حكمتها، وديوان أخبارها، ومستودع أيامها، والسّور المضروب على مآثرها، والخندق المحجوز على مفاخرها، والشاهد العدل يوم النّفار، والحجّة القاطعة عند الخصام”. وتحافظ الإمارات على هذه الميزة العربية الأصيلة مع مواكبة عصرية عبر التوثيق المرئي – والذي لا تزال اللغة جزءا لا يتجزأ منه – فكان هذا الفيلم الذي يحفظ لأجيال المستقبل جزءا مهما من تاريخهم المشرّف بمستوى فني وحرفي يدعو للفخر والإعجاب معا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى