أود اليوم أن أناقش معكم مفهوماً عميقاً للغاية وهو مفهوم الاستقلال، وأقصد به هنا أن تكون أنت الراعي والمسؤول الوحيد عن رحلتك الفردية على ظهر هذه الأرض.
تبدأ رحلة كل منا في هذه الحياة منا وهو متصل بجسد امه ومعتمداً عليها اعتماداً شبه كامل حتي تبدأ عمليه الخروج من الرحم لنستقل عنها جسدياً ووظيفياً لكننا نبقى على ارتباط عاطفي بها.
وتعتبر مغادرة المنزل الى الجامعة أو سوق العمل أو الزواج أحياناً الاندفاع الثاني في هذه الرحلة، ويعتبر هذا الجزء من الرحلة نحو الاستقلال مخيفاً وغامضاً للغاية بالنسبة لكثير منا فيفشل فيه الكثير وقد يحاول البعض الآخر النكوص أو العودة الى كنف الوالدين بينما يسعى آخرون لتعويض الفقد عن طريق ايجاد رفيق سواء كان زوج أو صديق يمكن الاعتماد عليه عاطفيا على الأقل ليمثل بديل للوالدين ولكن المؤسف في الأمر إنه لا يوجد أحد يمكنه القيام بذلك الدور ولا أحد يمكنه تقديم هذه الخدمة على الإطلاق.
إن المضي قدماً في هذه الحياة أمر أشبه بتعلم السباحة لا يمكن تمريره من شخص الى آخر أو تعلمه عبر ندوات ومحاضرات وإنما يجب اكتشافه من قبل الفرد على نحو شخصي وشديد العمق، من خلال اتحاد الفرد من روحه ومعرفته بما يتوافق معها وما ينفرها وعن نفسي اعتبر الاستقلال والتخلص من الاعتماديه بالاعتماد على روح الإنسان وإمكانياتها يمثل سر النجاح في هذه الرحلة واقتحام بوابات المجد في هذه الحياة.
عندما يشعر الإنسان أنه أضعف من يستقل عاطفياً عن الآخر وأن روحه تخبو وتضعف في غيابه، أياً كان هذا الآخر سواء كان والدان، حبيب، صديق، أو زوج ، قد يلجأ إلى التعاطي فالإدمان بأنواعه يصبغ عليه قناع الشجاعة وقد يعتقد المتعاطي أن الكحول أو المخدات تحافظ على مسار الرحلة من خلال النشوة والوهم المؤقت الذي تمنحه إياه، لكنها سرعان ما تنقلب على متعاطيها وتقلب مسار رحلته في هذه الحياة فالإدمان تعلق من نوع جديد والانفكاك منه أصعب بكثير من فك أو كسر أي نوع آخر من التعلق.
لذلك عندما تبدأ رحلتك الروحية الفردية لا بد أن تملك الوعي لتعرف في اتجاه تمضي، هل تمضي نحو الاستقلال أم أنك عائد الى الاعتمادية والاتكالية والأفعال الصبيانية، فطريق العودة يعتبر الأكثر ارتيادا في هذه الرحلة، عندما تكون واعياً لرحلتك سوف تستطيع اسقاط كل الاعذار القديمة وتحقق التسارع في رحلتك مع بقائك ممسكا بمفاتيح السيطرة في نظامك الطاقي المتفرد، وكما حققت استقلالك في الطفولة سوف تستطيع تحقيقه وأنت راشد بوعي ووحكمة أكبر، فلا تتخذ من التقدم في السن ذريعة لتقليص نشاطك.
وتذكر دوماً “كلما أدركت اتصالك الروحي مع كل المجودات الحية حولك كلما كنت أكثر استقلالاً”!!
فالاتصال الروحاني هو البديل الأفضل والتعويض الأوفى عن الاتصال المادي والعاطفي .