الكرب العاطفي “تفككٌ إيجابي”

بقلم / د. ولاء قاسم

قد تشعر بخنقةٍ تعتصر صدرك ، أيام ثقال تغتال أنفاسك ، شعور بالوهن الإرهاق يغزو جسدك وتمضي الأيام في رتابة فاقدة الطعم واللون ، تتقلب في فراشك ليلاً منهكاً ومستسلماً لأرجوحة أفكار تتلبس عقلك لتجد نفسك ترضخ تحت أسر هواجس ومخاوف لامتناهية.

لا تبتأس ففي تلك اللُجة الداخلية تكمن الحياة وهي التي ستشكل طريقك نحو التحرر والاكتمال ، تلك الأعراض النفسية إشارة الى أن الاستراتيجيات التي تنتهجها لكتابة الواقع الشخصي والتعاطي معه اصبحت غير قابلة للاستدامة ، فالمشاعر نظام تحذيري يخبرك أنك بحاجة للتزامن مع من أنت وكيف تشعر حقاً بعد أن افترقت عن مسار الحياة الذي يناسبك.

بداية أود أن اُطمئنك أن الانهيار الداخلي والتكيف معه هو مفتاح التطور الفكري ، فالكروب العاطفية كثيراً ما تكون دلالة على النمو وليس المرض النفسي ، فنحن كبشر نعتبر الكائنات الأكثر تعقيدا من الناحية العاطفية لذلك تظهر الأعراض النفسية والجسدية كباعث لاكتشاف الإمكانات التنموية وسبر أغوار النفس لنغدو أكثر كفآءة واستقلالية وهي عملية أطلق عليها العالم البولندي دابروفسكي ” التفكك الإيجابي “.

في ظل حالة الانهيار التي تنتابك هناك سؤال يتردد في ذهنك ولعله أكثر الأسئلة إلحاحاً خلال فترة الكرب ما هو الشيء الذي ينهار بداخلك ؟! قد تعتقدك على الأغلب أن ذاتك هي التي تنهار ، ولكن الأمر على حقيقته أن نضالك لإنكار ذاتك الحقيقية وتوجهاتها العاطفية هو من ينهار فعلياً، فعندما تسأم الذات الحقيقية من لعب أدوار لا تناسبها تطلق نداءات للاستيقاظ والإفاقة على شكل أعراض عاطفية غير متوقعة .

ولكن ماهي الذات الحقيقية التي أحدثك عنها؟!
ذات الحقيقية هي ” روحك ” ، نواة الوعي الصافي ، جوهر الذات ، الشرارة الإلهية التي تبض في قلب كينونتنا ، هي ذلك الجزء الأصيل منك الذي لم تطاله عكارة الافكار ولم تلوثه الغرائز ، الذات قائمة في بيولوجيتنا جميعا فهي مصدر المشاعر الداخلية والحدس بما فيها الانطباعات الفورية عن الآخرين .

ولأن الذات الحقيقية هي مصدر فردانيتنا الاستثنائية التي لم تتأثر بضغوط الوالدين والأسرة وقيود المجتمع لذلك عندما نتوافق مع تلك الذات فإننا نولي اهتماماً لاحتياجاتنا ورغباتنا الحقيقية فتصبح الرؤية أكثر وضوحاً ، نعيش حالة تسمى ” التدفق” فتشعر أنك أصبحت أكثر حظاً حيث تتعاظم الفرص وتثير فضولك الحلول بدلاً عن المشاكل .

يظل الشخص متسقاً مع ذاته في حال كان البالغون في طفولته يدعمون ذلك ولكن في حال تعرض في طفولته الى الانتقاد والحب المشروط فإنه يتعلم قمع رغبات ذاته الأصلية ويشعر بالحرج منها ، ويتجه الى كسب رضا والديه عن طريق التظاهر بأنه يريد ويرغب بما يريده الوالدين ويتبع توجيهات تقود الى أدوار معينة مرسومة للذات فيعتاد ارتداء الأقنعة والتمويهات ويفقد الاتصال بعالمه الداخلي .

من البديهي الآن أن يتبادر الى ذهنك سؤال عن كيفية استعادة الاتصال بذلك الجزء المنسي منا وطريقة الاتساق معه ، والسبيل الى ذلك باعتزال المشتتات والتجول بوعي في أروقة عالمك الداخلي ، ولتعلم ان ذاتك الحقيقية لها نفس احتياجات الطفل السليم المزدهر ، أن تُعرف ، أن تنمو ،وأن تُعبر عن ذاتها ، وبدروي اعتقد ان تحقيق ذاتك هو مشروعك الأسمى على هذه الأرض فاشرع الآن في طرح كل الأفكار البائسة التي زرعت في عقلك عن ذاتك ودورك في الحياة وابدأ بقبول توجيهات ذاتك الحقيقية ورغباتها المشروعة ولتكون مخلصاً في مسعاك ومن المهم أن تعي المباديء والقيم التي كانت توجهك وتقوم بفلترتها وتبدأ بتبني مصفوفة جديدة من القيم بطريقة أوعى .

لا بد من مواجهة المشاعر الحرجة والغير مرغوبة كالشعور بالرفض أو الخجل أو العار. فحالة التوتر والقلق والمزاج السيء هي ثمرة تلك المشاعر التي سحقتها لفترة طويلة، هي الآن تطفو على السطح مطالبة بالاعتراف وقد يفيدك أن تبدأ بصياغة هذه المشاعر بكلمات وجمل واضحة؛ فتلك الطريقة فعالة في تفريغ المشاعر المكبوتة واستعادة سلامك العاطفي.

لا تستاء من مشاعر الغضب المتنامية والمتصاعدة. انفعال الغضب – في اعتقادي – من أكثر المشاعر فائدة ، الغضب يغذيك بالطاقة للقيام بالأمور بطريقة مختلفة. غضبك على ذاتك يعني أنك تقدرها وتراها مستحقة للدفاع عنها. وشعور الغضب الواعي خلال الكرب يعني أنك أصبحت تضع ذاتك في المقدمة .