لقاح الكورونا “سبوتنيك 5”

بقلم:د فاطمة البلوشي - مؤسس ومديرة ديوان لبحوث واستشارات علوم القيادة - fmka@diwanlrc.com

فاجأت روسيا العالم بإعلانها رسميا التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا قائلة بأنه سيتم تسجيله بحلول12 أغسطس الجاري وإنتاج كميات كبيرة منه. وقد حمل الإعلان دلالات واضحة لمحاولة قيادة سبق تطوير اللقاح، فصياغة الإعلان تؤكد أنه “أول” لقاح للفيروس، وأنه يوفر مناعة “دائمة” ضده، والدلالة الأهم هي تسميته بـ “سبوتنيك 5” والذي يشير إلى اسم قمر صناعي أطلقه الاتحاد السوفيتي في خمسينات القرن الماضي إبان منافسته للولايات المتحدة الأمريكية في سباق غزو الفضاء والتي كانت إحدى محاور حربهما الباردة آنذاك. فلا عجب أن تحدث بعض الأصداء السلبية للإعلان من دول كالولايات المتحدة الأمريكية التي ردّت بأن تطوير اللقاح ليس سباقا على المركز الأول وإنما مساع جادة لتقديم لقاح آمن لجميع شعوب العالم.
ورغم أطياف السياسة التي تغلب الإعلان الروسي وبعض الردود المشكّكة فيه إلا أن له أيضا أصداءه الإيجابية لدى دول كثيرة منها من سارع إلى التفاوض للحصول على اللقاح فور توفره. فالوباء أرهق العالم اقتصاديا واجتماعيا وإن اتفق الجميع على أمر فهو الحاجة لأمل حقيقي بإمكانية السيطرة عليه والتفرغ بالتالي لعلاج تداعياته. والسبق الحقيقي الذي فازت به روسيا عبر إعلانها هو “الوضوح” في صياغة الإعلان لا سيّما مقابل الأنباء المترددة الأخرى عن تطوير اللقاح والتي دأبت على تقديمها بعض المختبرات العلمية عبر أوروبا تحديدا. فالمجتمعات بحاجة دائمة إلى قيادة ثابتة وواضحة في تحديد مسار أهدافها ولا تتردد خوفا من المخاطر لا سيّما في المعضلات الكبيرة التي لا تخلو أبدا من المخاطر.
ويمكن التعبير عن سمة الوضوح هذه بالقيادة الإيجابية بحسب بحوث البروفيسورة تنيكيه وولفرز ذات المسيرة المهنية التي قاربت ثلاثين عاما في التدريب القيادي. ولا تعني الإيجابية هنا العواطف الإيجابية كالتفاؤل والسعادة وإنما القيادة “الفعّالة” ذات النهج الثابت والشامل والواضح. فلا ضير مثلا في ربط روسيا اسم اللقاح بأحداث سابقة في تاريخها فمثل هذا يمكن قراءته كتأصيل لهويتها واستمرارية نهجها القيادي لا الانشغال بأوهام تغيير موازين القوى. بل إن منهجية واضحة كهذه هذه قد تكون كفيلة بحثّ الآخرين على تبني مثل هذا الوضوح، فمثلا إعلان روسيا قد يدفع دولا أخرى إلى انتهاج أسلوب أكثر شفافية في تحديث المجتمع الدولي بمستجدات جهودها في تطوير لقاح فيروس الكورونا.